الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
633 - وعن علي - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم الخندق : ( حبسونا عن صلاة الوسطى : صلاة العصر ، ملأ الله بيوتهم وقبورهم نارا ) . متفق عليه .

التالي السابق


633 - ( وعن علي - رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم الخندق ) : وهو يوم الأحزاب ، وكان في ذي القعدة قبل سنة أربع ورجحه البخاري . قال الولي العراقي : وهو المشهور ، وقيل : سنة خمس وعليه كثيرون ، سميت الغزوة بالخندق لأجل الخندق الذي حفر حول المدينة بأمره عليه الصلاة والسلام لما أشار به سلمان الفارسي ، فإنه من مكائد الفرس دون العرب ، وعمل فيه صلى الله عليه وسلم بنفسه كثيرا ترغيبا للمسلمين ، فإنهم قاسوا في حفره شدائد منها شدة الجوع والبرد وكثرة الحفر والتعب ، وأقاموا في محل حفره عشرين ليلة أو خمسة عشر يوما أو شهرا ، أقوال . وسميت بالأحزاب لاجتماع طوائف من المشركين : قريش وغطفان واليهود . ومن معهم على حرب المسلمين ، وهم كانوا ثلاثة آلاف . ( حبسونا ) : قال الطيبي : كذا في رواية البخاري ونسخ المصابيح أي : منعنا الكفار باشتغالنا بحفر الخندق ، لأجل دفعهم يعني شغلونا ( عن صلاة الوسطى ) : قال الطيبي : أي الصلاة الوسطى يعني : عن فعل الصلاة الوسطى ، وقال ابن حجر : هي عند الكوفيين من إضافة الموصوف إلى الصفة ، والبصريون يقدمون محذوفا أي : عن الصلاة الوسطى أي عن فعلها ( صلاة العصر ) : بالجر بدل من صلاة الوسطى أو عطف بيان لها ، وهو مذهب أكثر الصحابة قاله ابن الملك . وقال النووي في مجموعه : الذي يقتضيه الأحاديث الصحيحة أنها العصر وهو

[ ص: 545 ] المختار . وقال الماوردي : نص الشافعي أنها الصبح ، وصحت الأحاديث أنها العصر ، فكان هذا هو مذهبه لقوله : إذا صح الحديث فهو مذهبي ، واضربوا بمذهبي عرض الحائط . وقال الطيبي : وهذا مذهب كثير من الصحابة والتابعين ، وإليه ذهب أبو حنيفة وأحمد وداود ، والحديث نص فيه ، وقيل الصبح وعليه بعض الصحابة والتابعين ، وهو مشهور مذهب مالك والشافعي ، وقيل الظهر ، وقيل المغرب ، وقيل العشاء ، وقيل أخفاها الله تعالى في الصلوات كليلة القدر وساعة الإجابة في الجمعة اهـ .

وقيل : صلاة الضحى أو التهجد أو الأوابين أو الجمعة أو العيد أو الجنازة ، وزاد البخاري بعد قوله : صلاة العصر حتى غربت الشمس ، ولا يعارضه ما في مسلم عن ابن مسعود أنه إلى احمرار الشمس أو اصفرارها ، لأن الحبس وإن انتهى إلى هذا الوقت لكن الصلاة لم تقع إلا بعد المغرب إذ لم يبق من الوقت ما يسعها مع طهرها ونحوه ، ويؤيده ما في البخاري عن ابن عمر : أنه جاء بعدما كادت الشمس تغرب فقال صلى الله عليه وسلم : ( والله ما صليتها ) فنزل بطحان فتوضأ وتوضئوا فصلى العصر بعدما غربت الشمس ، وقضية هذه الرواية أنه عليه الصلاة والسلام لم يفته غير العصر .

وفى الترمذي : أربع صلوات ولا تعارض ; لأن الوقعة استمرت أياما ، فكان كل في يوم ، وفي إسناد الحبس إليهم إشارة إلى أن التأخير كان بسبب الاشتغال بقتالهم ، وأنهم كانوا مانعين لصلاتهم . قال العلماء : يحتمل أنه نسي بسبب ذلك الاشتغال ، ومحتمل أنه كان متعمدا وآثر الاشتغال بقتالهم عليها ، لأنه كان قبل نزول صلاة الخوف ( ملأ الله ) : دعا عليهم ، وأخرجه في صورة الخبر تأكيدا وإشعارا بأنه من الدعوات المجابة سريعا ، وعبر بالماضي ثقة بالاستجابة ، فكأنه أجيب سؤاله فأخبر عن وجود إجابته ووقوعها ، ولذا قالوا : غفر الله لفلان أبلغ من : اللهم اغفر له ( بيوتهم ) : بكسر الباء وضمها ( وقبورهم نارا ) : قال الطيبي : أي جعل الله النار ملازمة لهم في الحياة والممات ، وعذبهم في الدنيا والآخرة ، وقيل : أراد عذاب الدنيا من تخريب البيوت ونهب الأموال ، وسبي الأولاد ، وعذاب الآخرة باشتعال قبورهم نارا ، أو الأسلوب من باب المشاكلة لذكر النار في البيوت ، أو من باب الاستعارة استعيرت النار للفتنة ( متفق عليه ) : رواه أحمد ، قاله ميرك .




الخدمات العلمية