الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
82 - وعن ابن مسعود رضي الله عنه ، قال : حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وهو الصادق المصدوق : ( إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما نطفة ، ثم يكون علقة مثل ذلك ، ثم يكون مضغة مثل ذلك ، ثم يبعث الله إليه ملكا بأربع كلمات : فيكتب عمله ، وأجله ، ورزقه ، وشقي ، أو سعيد ، ثم ينفخ فيه الروح فوالذي لا إله غيره إن أحدكم يعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه ، وبينها إلا ذراع ، فيسبق عليه الكتاب ، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها . وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب ، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها ) . متفق عليه .

التالي السابق


82 - ( وعن ابن مسعود ) : رضي الله عنه ( قال : حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وهو الصادق المصدوق ) : الأولى أن تجعل هذه الجملة اعتراضية لا حالية لتعم الأحوال كلها ، وأن يكون من عادته ذلك فما أحسن موقعه هاهنا . ومعناه الصادق في جميع أفعاله حتى قبل النبوة لما كان مشهورا فيما بينهم بمحمد الأمين . المصدوق في جميع ما أتاه من الوحي الكريم صدقه زيد راست كفت باوزيد . قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في أبي العاص بن الربيع : ( فصدقني ) . وقال في حديث أبي هريرة ( صدقك وهو كذوب ) ، وقال علي رضي الله عنه للنبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث الإفك : سل الجارية تصدقك ، ونظائره كثيرة . كذا قال السيد جمال الدين ، وفيه رد على ما قيل : إن الجمع بينهما تأكيد إذ يلزم من أحدهما الآخر ، اللهم إلا أن يخص به . ( إن خلق أحدكم ) : بكسر الهمزة فتكون من جملة التحديث ، ويجوز فتحها أي : مادة خلق أحدكم ، أو ما يخلق منه أحدكم ( يجمع في بطن أمه ) أي : يقرر ويحرز في رحمها . وقال في النهاية : ويجوز أن يريد بالجمع مكث النطفة في الرحم ( أربعين يوما ) : يتخمر فيها حتى يتهيأ للخلق . قال الطيبي : وقد روي عن ابن مسعود في تفسير هذا الحديث : أن النطفة إذا وقعت في الرحم فأراد الله أن يخلق منها بشرا طارت في بشرة المرأة تحت كل ظفر وشعر ، ثم تمكث أربعين ليلة ، ثم تنزل دما في الرحم فذلك جمعها ، والصحابة أعلم الناس بتفسير ما سمعوه ، وأحقهم بتأويله ، وأكثرهم احتياطا ، فليس لمن بعدهم أن يرد عليهم . قال ابن حجر : والحديث رواه ابن أبي حاتم ، وغيره ، وصح تفسير الجمع بمعنى آخر ، وهو تضمنه قوله - عليه الصلاة والسلام - : ( إن الله تعالى إذا أراد خلق عبد فجامع الرجل المرأة طار ماؤه في كل عرق وعضو منها ، فإذا كان يوم السابع جمعه الله ، ثم أحضره كل عرق له دون آدم ( في أي صورة ما شاء ركبك ) ، ويشهد لهذا المعنى قوله - عليه الصلاة والسلام - لمن قال له : ولدت امرأتي غلاما أسود : ( لعله نزعه عرق ) . وأصل النطفة الماء القليل ؛ سمي بها المني لقلته ، وقيل لنطافته أي : سيلانه لأنه ينطف نطفا أي : يسيل . قال الصوفية : خصوصية الأربعين لموافقته تخمير طينة آدم ، وميقات موسى ، ثم إنه يعجن النطفة بتراب قبره كما ورد في تفسير قوله تعالى : ( منها خلقناكم ) أن الملك يأخذ من تراب مدفنه فيبددها على النطفة ، ولكونه سلالة من الطين جاء مختلف الألوان والأخلاق حسب اختلاف أجزاء الطين ، بل بحسب اختلاف المركبات من الطين فيه حرص النملة ، والفأرة ، وشهوة العصفور ، وغضب الفهد ، وكبر النمر ، وبخل الكلب ، وشره الخنزير ، وحقد الحية ، وغير ذلك من ذمائم الصفات ، وفيه شجاعة الأسد ، وسخاوة الديك ، وقناعة [ ص: 152 ] البوم ، وحلم الجمل ، وتواضع الهرة ، ووفاء الكلب ، وبكور الغراب ، وهمة البازي ، ونحوها من محاسن الأخلاق . ( نطفة ) : حال من فاعل يجمع ( ثم يكون ) أي : خلق أحدكم ( علقة ) أي : دما غليظا جامدا . قال ابن حجر أي : ثم عقب هذه الأربعين يكون في ذلك المحل الذي اجتمعت فيه النطفة علقة ، والأظهر أن قوله : يكون بمعنى يصير ، والضمير إلى ما جمع في بطن أمه نطفة ، وقيل : يصير خلقه علقة لأنها إذ ذاك تعلق بالرحم اهـ . وفيه أنه يلزم منه أن الصيرورة في أربعين ، وليس كذلك ، فالظاهر أن يقدر ، ويبقى ، أو يمكث ( مثل ذلك ) : إشارة إلى محذوف أي : مثل ذلك الزمان يعني أربعين يوما ( ثم يكون مضغة ) أي : قطعة لحم قدر ما يمضغ ( مثل ذلك ) : ويظهر التصوير في هذه الأربعين . قال : المظهر في هذا التحويل مع قدرته على خلقه في لمحة فوائد وعبر . منها : أنه لو خلقه دفعة لشق على الأم لعدم اعتيادها ، وربما تظن علة ، فجعل أولا نطفة لتعتادها مدة ، وهكذا إلى الولادة . ومنها : إظهار قدرته ، ونعمته ليعبدوه ، ويشكروه حيث قلبهم من تلك الأطوار إلى كونهم إنسانا حسن الصورة متحليا بالعقل ، والشهامة . ومنها : إرشاد الناس ، وتنبيههم على كمال قدرته على الحشر ؛ لأن من قدر على خلق الإنسان من ماء مهين . ثم من علقة ، ثم من مضغة مهيأة لنفخ الروح فيه يقدر على حشره ، ونفخ الروح فيه . قلت : ومنها : بل أظهرها تعليم العباد في تدريج الأمور ، وعدم تعجيلهم فيها ، فإنه تعالى مع كمال قدرته ، وقوته على خلقه دفعة حيث خلقه مدرجا فإن الإنسان أولى به التأني في فعله كما قالوا مثل هذه في قوله تعالى : ( إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ) فحصلت المطابقة والمناسبة ، والموافقة بين الآيات الآفاقية ، والدلالات الأنفسية . قال تعالى : ( سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ) . ومنها تنبيههم ، وتفهيمهم أصلهم وفرعهم فلا يغتروا بقوة أبدانهم ، وأعضائهم ، وحواسهم ، ويعرفوا أنها كلها عطايا ، وهدايا ، بل على وجه العارية موجودة عندهم لينظروا في مبدئهم كما قال تعالى : ( فلينظر الإنسان مم خلق ) وفي الحديث : من عرف نفسه فقد عرف ربه ( ثم يبعث الله إليه ) أي : إلى خلق أحدكم ، أو إلى أحدكم يعني في الطور الرابع حين ما يتكامل بيانه ، ويتشكل أعضاؤه ( ملكا ) : وفي الأربعين : ثم يرسل إليه الملك ، والمراد بالإرسال أمره بها ، والتصرف فيها ؛ لأنه ثبت في الصحيحين أنه موكل بالرحم حين كان نطفة ، أو ذاك ملك آخر غير ملك الحفظ .

فإن قلت : قد ورد في صحيح مسلم برواية حذيفة بن أسيد خلاف ابن مسعود كما في المشارق ، أنه إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة بعث الله ملكا فصورها ، وخلق سمعها ، وبصرها ، وجلدها ، وعظامها ، ثم يقول : يا رب أذكر أم أنثى ؟ فيقضي ربك ما شاء ، ثم يكتب أجله ورزقه ، فعلم منه أن التصوير بعد الأربعين الأولى ، وهو مناف لهذه الرواية . فجوابه : أن لتصرف الملك أوقاتا . أحدها : حين يكون نطفة ، ثم ينقلب علقة ، وهو أول علم الملك بأنه ولد ، وذلك عقيب الأربعين الأولى ، وحينئذ يبعث إليه ربه يكتب رزقه ، وأجله ، وعمله ، وخلقته ، وصورته ، ثم يتصرف فيه لتصويره ، وخلق أعضائه ، وذلك في الأربعين الثالثة ، ثم ينفخ فيه الروح ، فالمراد بتصويرها بعده أنه يكتب ذلك ، ثم يفعله في وقت آخر ؛ لأن التصوير الأول بعد الأربعين الأولى غير موجود عادة ، كذا في شرح مسلم ، ولا يخفى ما فيه ، وقد استفاض بين النساء أن النطفة إذا قدرت ذكرا تتصور بعد الأربعين الأولى بحيث يشاهد منه كل شيء حتى السوأة ، فتحمل رواية ابن مسعود على البنات ، أو الغالب . ( بأربع كلمات ) أي : بكتابتها ، وكل قضية تسمى كلمة قولا كان ، أو فعلا ( فيكتب عمله ) : من الخير ، والشر ( وأجله ) : مدة حياته ، أو انتهاء عمره ( ورزقه ) : يعني أنه قليل أو [ ص: 153 ] كثير ، وغيرهما مما ينتفع به حلالا كان أو حراما مأكولا أو غيره ، فيعين له ، وينقش بعد أن كانت مكتوبة في اللوح المحفوظ ما يليق به من الأعمال ، والأعمار ، والأرزاق حسب ما اقتضته حكمته ، وسبقت كلمته ، فمن وجده مستعدا لقبول الحق ، واتباعه ، ورآه أهلا للخير ، وأسباب الصلاح متوجها إليه أثبته في عداد السعداء ، ومن وجده متجافيا قاسي القلب متأبيا عن الحق أثبته في ديوان الأشقياء ، وكتب ما يتوقع منه من الشرور والمعاصي ، هذا إذا لم يعلم من حاله ما يقتضي تغير ذلك ، وإن علم من ذلك شيئا كتب له أوائل أمره ، وأواخره ، وحكم عليه حسب ما يتم به عمله ، فإن ملاك العمل خواتيمه ، وهو الذي يسبق إليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة والنار ، وقيل : المراد بكتبه هذه الأشياء إظهاره للملك ، وإلا فقضاؤه سابق على ذلك . قال مجاهد : يكتب هذه الكلمات في ورقة ، وتعلق في عنقه بحيث لا يراها الناس . قال تعالى : ( وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ) قال أهل المعاني : أراد بالطائر ما قضى عليه أنه عامله ، وهو صائر إليه من سعادة أو شقاوة ، وخص العنق لأنه موضع القلادة والأطواق . قلت : وهو كناية عن الذمة ، لأن هذه الأشياء في ذمته أن يفعلها ، ولا يقدر أن ينفك عنها ، وقيل : يؤمر بكتابة الأحكام المقدرة له على جبهته ، أو بطن كفه ، واعلم أن الكتابة التي في أم الكتاب تعم الأشياء كلها ، وهذا ما يخص به كل إنسان ؛ إذ لكل كتابة سابقة ، وهي ما في اللوح ، ولاحقة تكتب ليلة القدر ، ومتوسطة أشير إليها في الحديث ، وفي أصل الأربعين يكتب رزقه ، وأجله ، وعمله ، وشقي ، أو سعيد ، وهو بدل كل من قوله أربع إذ المضاف مقدر فيه ، ويروى يكتب على الاستئناف . ( وشقي ) : خبر مبتدأ محذوف أي : يكتب هو شقي ( أو سعيد ) : قيل : كان من حق الظاهر أن يقال : ويكتب سعادته وشقاوته ، فعدل إما حكاية لصورة ما يكتبه الملك ؛ لأنه يكتب أشقي ، أو سعيد ، والتقدير أنه شقي ، أو سعيد ، فعدل لأن الكلام مسوق إليهما ، والتفصيل وهو قوله : فوالذي إلخ وارد عليهما ، والسعادة معاونة الأمور الإلهية للإنسان على نيل الخيرات ، وتضادها الشقاوة ، وهي إما قلبية ، أو بدنية ، أو ما حول البدن فالقلبية هي المعارف ، والحكم والكمالات العلمية ، والعملية القلبية ، والخلقية ، والبدنية ، الصحة والقوة ، واللذات الجسمانية ، وما حول البدن من الأموال ، والأسباب ، وقدم الشقاوة ليعلم أن الشر كالخير من عند الله ، وتقديره ردا على الثنوية المثبتين شريكا فاعلا للشر لأنهم طلبوا الحكمة في أفعال الله فقالوا : مدبر العالم لو كان واحدا لم يخص هذا بأنواع الخيرات والصحة والغنى ، وذلك بأصناف الشرور ، فرد عليهم الرب بقوله : ( لا يسأل عما يفعل ) وما أحسن قول الشاعر :


كم من أديب فطن عالم مستكمل العقل مقل عديم

وكم جهول مكثر ماله
ذلك تقدير العزيز العليم



وتحقيق هذا المقام أن يقال : إن لله صفتي لطف وقهر ، والحكمة تقتضي أن يكون الملك سيما ملك الملوك كذلك ، إذ كل منهما من أوصاف الكمال ، ولا يقوم أحدهما مقام الآخر ، ولا يتحقق كل منهما إلا بوجود الآخر ، كما لا تتبين اللذة إلا بالألم ، وبضدها تتبين الأشياء ، ولا بد لكل منهما من مظهر ، فالسعداء ، وأعمالهم مظاهر اللطف ، وفائدة بعثة الأنبياء ، والكتب ترجع إليهم ( إنما أنت منذر من يخشاها ) كما أن فائدة نور الشمس لأهل البصر ، والأشقياء وأفعالهم مظاهر القهر ، وفائدة البعثة لهم إلزام الحجة لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ، وهي في الحقيقة نعي عليهم بالشقاوة ( ثم ينفخ ) : على البناء للمجهول ، وقيل : إنه معلوم ( فيه الروح ) : بالوجهين أي : ثم بعد هذا البعث لا قبله ، وعكس ذلك الواقع في رواية البيهقي المراد به ترتيب الأخبار فقط على أن [ ص: 154 ] رواية الشيخين مقدمة على غيرها . كذا ذكره ابن حجر ، لكن وقع في الأربعين النووية بلفظ : فينفخ فيه الروح ، ويؤمر إلخ . ونسب إلى الشيخين فتأمل ، فلعلهما لهما روايتان ، والله أعلم ( فوالذي لا إله غيره ) : القسم لإفادة التحقيق ، وتأكيد التصديق أي : إذا كان الشقاوة ، والسعادة مكتوبة فوالله الذي لا إله غيره ، وليعلم في أمر القضاء أن الكسب لا مدخل له في الحقيقة ( إن أحدكم ) : ولفظ المصابيح : فإن الرجل أي : الشخص ( ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون ) : في الموضعين بالرفع لا لأن ما النافية كافة عن العمل ، بل لأن المعنى على حكاية حال الرجل لا الإخبار عن المستقبل . كذا قاله السيد جمال الدين . وقال المظهر : حتى هي الناصبة ، وما نافية . ولفظة : يكون منصوبة بحتى ، وما غير مانعة لها من العمل . وقال ابن الملك : الأوجه أنها عاطفة ، ويكون بالرفع عطف على ما قبله ( بينه ، وبينها ) أي : بين الرجل ، وبين الجنة ( إلا ذراع ) : تمثيل لغاية قربها ( فيسبق عليه الكتاب ) : ضمن معنى يغلب ، ولذا عدي بعلى ، وإلا فهو متعد بنفسه أي : يغلب عليه كتاب الشقاوة ، والتعريف للعهد ، والكتاب بمعنى المكتوب أي : المقدر ، أو التقدير أي : التقدير الأزلي ، والفاء للتعقيب يدل على حصول السبق بلا مهلة . ( فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها ) : فيه إشارة إلى أن دخول النار لا يكون بمجرد تعلق العلم الإلهي ، بل لا بد من ظهور العمل المخلوقي فلا يكون جبرا محضا ، ولا قدرا بحتا ، وهذا مما سنح لي ، وقيل : لأن بذر الشقاوة ، والسعادة قد اختفى في الأطوار الإنسانية لا يبرز إلا إذا انتهى إلى الغاية الإيمانية ، أو الطغيانية ، والله أعلم . ( وإن أحدكم ) أي : الآخر ( ليعمل بعمل أهل النار ) : من الكفر ، والمعاصي ( حتى ما يكون ) : بالوجهين ( بينه ، وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب ) : قيل : فيه دلالة ظاهرة على أن الأعمال أمارات لا موجبات ، وأن مصيرها إلى ما جرى به المقادير في البداية ( فيعمل بعمل أهل الجنة ) : بأن يستغفر ، ويتوب ( فيدخلها ) : أقول : في الحديث تنبيه على أن السالك ينبغي أن لا يغتر بأعماله الحسنة ، ويجتنب العجب ، والتكبر ، والأخلاق السيئة ، ويكون بين الخوف ، والرجاء ، ومسلما بالرضا تحت حكم القضاء ، وكذا إذا صدرت منه الأعمال السيئة فلا ييئس من روح الله تعالى الطيبة ، فإنها إذا بدت عين العناية ألحقت الآخرة بالسابقة ، وكذا الحال بالنسبة إلى العجز في الأعمال فلا يحكم لأحد بأنه من أهل الجنة والدرجات ، وإن عمل ما عمل من الطاعات ، أو ظهر عليه من خوارق العادات ، ولا يجزم في حق أحد بأنه من أهل النار والعقوبات ، ولو صدر منه جميع السيئات ، والمظالم ، والتبعات ، فإن العبر بخواتيم الحالات ، ولا يطلع عليها غير عالم الغيب ، والشهادات ، ثم اعلم أن ما يجري في العالم من الإيمان ، والكفر ، والسعادة ، والشقاوة من الكليات ، والجزئيات بتقدير الله ، وإيجاده ، إذ لا مؤثر في الوجود إلا الله المتعالي عن الشريك ذاتا وصفة ، وفعلا ، يفعل الله ما يشاء لا علة لفعله ، ولا معقب لحكمه ، لا يسأل عما يفعل ، ولا مجال للعقل في تحسين الأفعال وتقبيحها ، بل يحسن صدورها كلها عنه ، والاستقلال للعبد في الأفعال والمدح والذم باعتبار المحلية لا باعتبار الفاعلية كما يمدح الشيء بحسنه والثواب ، والعقاب كسائر الأمور العادية ، فإن الله أجرى عادته بأن يوجد الأسباب أولا ، ثم يوجد المسببات عقيبها ، فكل منهما صادر عنه ابتداء ، وأما البعثة ، والتكليف فلأن الله يجب اتصافه بالأمر والنهي ، والوعد ، والوعيد ، ولا بد لها من مظهر كما كان كذلك في جميع الصفات فكلف العباد بهما ، ورتب عليه الوعد والوعيد إظهارا لمقتضى سلطته كما قال : كنت كنزا مخفيا فأردت أن أعرف فخلقت الخلق لأن أعرف ( متفق عليه ) .




الخدمات العلمية