الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 1123 ] 1528 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن الله تعالى يقول يوم القيامة : يا ابن آدم ، مرضت فلم تعدني . قال : يا رب ، كيف أعودك وأنت رب العالمين ؟ ! قال : أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده ، أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده ؟ يا ابن آدم ، استطعمتك فلم تطعمني . قال : يا رب ، كيف أطعمك وأنت رب العالمين ؟ ! قال : أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه ؟ أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي ؟ يا ابن آدم ، استسقيتك فلم تسقني . قال : يا رب ، كيف أسقيك وأنت رب العالمين ؟ ! قال : استسقاك عبدي فلان فلم تسقه ، أما إنك لو سقيته وجدت ذلك عندي ؟ " رواه مسلم .

التالي السابق


1528 - ( وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( إن الله تعالى يقول يوم القيامة ) : على لسان ملك أو بلا واسطة بالوحي العام ، أو بالإلهام في قلوب الأنام ، أو بلسان الحال معاتبا لابن آدم في تلك الأحوال بما قصر في حق أوليائه بالأفضال . ( يا ابن آدم ، مرضت فلم تعدني ) : أراد به مرض عبده ، وإنما أضاف إلى نفسه تشريفا لذلك العبد ، فنزله منزلة ذاته ، والحاصل أن من عاد مريضا لله فكأنه زار الله . ( قال : يا رب ، كيف أعودك وأنت رب العالمين ؟ ! ) : حال مقررة لجهة الإشكال الذي يتضمنه . ( كيف ) أي : المرض إنما يكون للمريض العاجز ، وأنت القاهر القوي المالك . فإن قيل : الظاهر أن يقال : كيف تمرض مكان كيف أعودك ؟ ! قلنا : عدل عنه معتذرا إلى ما عوتب عليه . وهو مستلزم لنفي المرض . ( قال : أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده ، أما علمت أنك لو عدته لوجدتني ) أي : لوجدت رضائي ( عنده ؟ ) : وفيه إشارة إلى أن للعجز والانكسار عنده تعالى مقدارا واعتبارا ، كما روي : أنا عند المنكسرة قلوبهم لأجلي . قال الطيبـي : وفي العبارة إشارة إلى أن العيادة أكثر ثوابا من الإطعام والإسقاء الآتيين ، حيث خص الأول بقوله : وجدتني عنده ؟ فإن فيه إيماء إلى أن الله تعالى أقرب إلى المنكسر المسكين اهـ .

وقيل : العجز والانكسار ألصق وألزم هناك . والعيادة أفضل من العبادة ، وإن كانتا في الصورة واحدة ، فالعيادة أزيد إما بنقطة وهي درجة ، أو بثمان مراتب . فإن الباء اثنان والياء عشرة ، هذا وفيه إشارة إلى حديث : " لا يزال عبدي يتقرب " إلخ ، وقد قيل : لم يرد في الثواب أعظم من هذا . ( يا ابن آدم ، استطعمتك ) أي : طلبت منك الطعام . ( فلم تطعمني ؟ . قال : يا رب ، كيف أطعمك وأنت رب العالمين ؟ ! ) أي : والحال أنك تطعم ولا تطعم ، وأنت غني قوي على الإطلاق ، وإنما العاجز يحتاج إلى الإنفاق . ( قال : أما علمت أنه ) أي : الشأن . ( استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه ، أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك ) أي : ثواب إطعامه . ( عندي ؟ يا ابن آدم ، استسقيتك ) أي : طلبت منك الماء . ( فلم تسقني ) : بالفتح والضم في أوله . ( قال : يا رب ، كيف أسقيك ) : بالوجهين . ( وأنت رب العالمين ؟ ! ) أي : مربيهم غير محتاج إلى شيء من الأشياء فضلا عن الطعام والماء . ( قال : استسقاك عبدي فلان فلم تسقيه ، أما ) : بالتخفيف للتنبيه . ( إنك ) : بكسر الهمزة ، وفي نسخة : " أما علمت أنك " بفتح الهمزة . ( لو سقيته وجدت ) : بلا لام هنا إشارة إلى جواز حذفها . ( ذلك عندي ؟ ) : فإن الله لا يضيع أجر المحسنين . وفي الحديث بيان أن الله تعالى عالم بالكائنات يستوي في علمه الجزئيات والكليات ، وأنه مبتل عباده بما شاء من أنواع الرياضات ، ليكون كفارة للذنوب ، ورفعا للدرجات العاليات . ( رواه مسلم ) .




الخدمات العلمية