الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1711 - وعن المطلب بن أبي وداعة قال : لما مات عثمان بن مظعون أخرج بجنازته ، فدفن ، أمر النبي صلى الله عليه وسلم رجلا أن يأته بحجر ، فلم يستطع حملها فقام إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وحسر عن ذراعيه . قال المطلب : قال الذي يخبرني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كأني أنظر إلى بياض ذراعي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حسر عنهما ، ثم حملها فوضعها عند رأسه ، وقال : أعلم بها قبر أخي ، وأدفن إليه من مات من أهلي . رواه أبو داود .

التالي السابق


1711 - ( وعن المطلب بن أبي وداعة ) بفتح الواو . قال الطيبي : هو قرشي ، أسلم يوم فتح مكة ، وكذا ذكره المؤلف . قال ميرك : اعلم أن هذا الحديث رواه أبو داود ، لم ينسب المطلب راويه ، وكذا في المصابيح وقع غير منسوب ، والمصنف جعله منسوبا إلى أبي داود من عند نفسه ، وأخطأ في ذلك قال الشيخ الجزري في تصحيح المصابيح : والسلمي في تخريجه ، ورواه أبو داود من حديث المطلب بن عبد الله المدني ، وهو المطلب بن عبد الله بن حنطب المخزومي ، وهو تابعي يروي عن أبي هريرة ، وعائشة ، وابن عمر ، وابن عباس ، ففي الحديث إرسال ، وهو الظاهر من السياق ، حيث قال المطلب : قال الذي يخبرني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . إلى آخره ، والدليل على خطأ المصنف ما رواه ابن سعد في الطبقات فقال : حدثنا محمد بن عمر ، حدثنا كثير عن يزيد ، عن المطلب بن عبد الله بن حنطب قال : لما مات عثمان بن مظعون دفن بالبقيع فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء فوضع عند رأسه ، وقال : هذا علامة قبره ، يدفن إليه يعني من مات بعده اهـ .

( قال : لما مات عثمان بن مظعون ) بالظاء المعجمة . ( أخرج بجنازته ) كأنه من باب حذف العاطف أي : وأخرج جنازته . ( فدفن ) وقوله : ( أمر النبي صلى الله عليه وسلم ) جواب لما كذا قيل ، والأظهر أن جواب لما هو أخرج ، لوقوعه في محله ، وأمر حذف عاطفه ، ويدل عليه الحديث المذكور في الحاشية السابقة لما مات عثمان بن مظعون ، ودفن بالبقيع ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم . ( رجلا أن يأتيه بحجر ) أي : كبير لوضع العلامة وفي رواية : بصخرة . ( فلم يستطع ) أي : ذلك الرجل وحده . ( حملها ) قال ابن الملك : تأنيث الضمير على تأويل الصخرة . ( فقام إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وحسر ) أي : كشف وأبعد كمه . ( عن ذراعيه ) أي : ساعديه ، وفي النهاية أخرجها عن كميه اهـ . وهو حاصل المعنى .

وفي الأزهار فيه أن حسر الذراع لحاجة غير مكروه ، ولا ترك أدب بمرأى الناس ، إذ فيه صيانة الثوب عن الأدناس . ( قال المطلب : قال الذي يخبرني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كأني أنظر إلى بياض ذراعي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حسر ) أي : كشف الثوب عنهما . ( ثم حملها أي : وحده . ( فوضعها عند رأسه ) أي : رأس قبر عثمان . ( وقال ) أي : رسول الله صلى الله عليه وسلم . ( أعلم ) مضارع متكلم من الإعلام . ( بها ) أي : أعلم الناس بهذه الحجارة . ( قبر أخي ) وأجعل الصخرة علامة لقبر أخي ، وسماه أخا تشريفا له ، أو لأنه كان قرشيا ، أو لأنه أخوه من الرضاعة ، وهو الأصح ، قيل : إنه أسلم بعد ثلاثة عشر رجلا ، وهاجر مرتين ، وشهد بدرا ، وهو أول [ ص: 1225 ] من مات بالمدينة من المهاجرين . ( وأدفن إليه ) أي : إلى قربه ، وقال الطيبي : أي : أضم إليه في الدفن . ( من مات من أهلي ) في الأزهار : يستحب أن يجعل على القبر علامة يعرف بها ، لقوله صلى الله عليه وسلم أعلم بها قبر أخي ، ويستحب أن يجمع الأقارب في موضع ، لقوله صلى الله عليه وسلم وأدفن إليه من مات من أهلي ، وكان عثمان أخاه من الرضاعة ، وأول من دفن إليه إبراهيم ابنه ، وقال الطيبي : سماه أخاه لقرابة بينهما لأنه كان قرشيا ، وهو عثمان بن مظعون بن حبيب بن وهب القرشي الجمحي ، وكان ممن حرم الخمر في الجاهلية ، وقال : لا أشرب ما يضحك بي من هو دوني ، وقال السلمي : وكان عثمان من أهل الصفة ، وهو أول دفن بالبقيع ، ومن هاجر بالمدينة ، وقيل : أول من تبعه من أهل النبي صلى الله عليه وسلم إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم وقال صلى الله عليه وسلم لزينب بنته بعد أن ماتت الحقي بسلفنا الصالح : عثمان بن مظعون ، وأما ما نقله ابن حجر من أنه قال صلى الله عليه وسلم في إبراهيم وأخته زينب لما توفيا : الحقا بسلفنا الصالح : عثمان بن مظعون فغير محفوظ بالنسبة لإبراهيم ، ثم قال : قال بعض متقدمي أئمتنا : ويسن وضع أخرى عند رجله ; لأنه صلى الله عليه وسلم وضع حجرين على قبر عثمان بن مظعون ، ورد بأن المحفوظ في حديث عثمان حجر واحد كما تقرر اهـ .

وفيه أنه لا دلالة في الحديث المذكور على أن الحجر واحد أو متعدد ، فكيف يصلح للرد على من أثبت التعدد ، مع أن القاعدة المقررة التعارض على تسليم ثبوت الواحد أن زيادة الثقة مقبولة ، وأن المثبت مقدم على النافي ، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ ، والله الموفق . ( رواه أبو داود ) قال ميرك : وفي إسناده كثير بن زيد مولى الأسلميين ، تكلم فيه غير واحد اهـ . فما قاله ابن حجر : من أن سنده جيد محتاج إلى الانتقاد ، لأنه مخالف لما قاله النقاد .




الخدمات العلمية