الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1923 - وعن أنس ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لما خلق الله الأرض جعلت تميد ، فخلق الجبال فقال : بها عليها ، فاستقرت فعجبت الملائكة من شدة الجبال ، فقالوا : يا رب ! هل من خلقك شيء أشد من الجبال ؟ قال : نعم ، الحديد . فقالوا : يا رب ! هل من خلقك شيء أشد من الحديد ؟ قال : نعم ، النار . فقالوا : يا رب ! هل من خلقك شيء أشد من النار ؟ قال : نعم ، الماء . فقالوا : يا رب ! هل من خلقك شيء أشد من الماء ؟ قال : نعم ، الريح . فقالوا : يا رب ! هل من خلقك شيء أشد من الريح ؟ قال : نعم ، ابن آدم تصدق صدقة بيمينه يخفيها عن شماله " رواه الترمذي وقال : هذا حديث غريب ، وذكر حديث معاذ " الصدقة تطفئ الخطيئة " في كتاب " الإيمان " .

التالي السابق


1923 - ( وعن أنس قال : قال رسول - صلى الله عليه وسلم - : لما خلق الله الأرض ) أي أرض الكعبة ودحيت وبسطت من جوانبها وبقيت كلوحة على وجه الماء ( جعلت ) أي شرعت ( تميد ) بالدال المهملة أي تميل وتتحرك وتضطرب شديدة ولا تستقر حتى قالت الملائكة : لا ينتفع الإنس بها ( فخلق الجبال ) وقيل : أولها أبو قيس ( فقال : بها عليها ) أي أمر وأشار بكونها واستقرارها عليها ( استقرت ) أي : الجبال عليها فثبتت الأرض في مكانها أو ما مادت عن حالها ومحلها ، وهذا القول والأمر يحتمل أن يكون بلفظة كن فيكون ، وهذا المسلك عندي دقيق وبالقبول حقيق خلافا لما قاله الشراح في هذا المقام ، فقال الطيبي : قد مر مرارا أن القول يعبر به عن كل فعل ، وقرينة اختصاصه اقتضاء المقام ، فالتقدير ألقى بالجبال على الأرض كما قال - تعالى - : وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم فالباء زائدة في المفعول كما في قوله - تعالى - : ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وإيثار القول على الإلقاء والإرسال لبيان العظمة والكبرياء وأن مثل هذا الأمر العظيم يتأتى من عظيم قدرته بمجرد القول ، وقيل : ضمن القول معنى الأمر أي أمر الجبال قائلا : ارسي عليها ، وقيل : أي ضرب بالجبال على الأرض حتى استقرت ، وقيل : القول بمعنى الأمر ، والمفعول محذوف ، أي أمر الله - تعالى - الملائكة بوضع الجبال على الأرض اهـ والأخير مع مخالفته للمنقول حيث ورد " فأصبحت الملائكة فرأوا الجبال عليها " يرده قوله ( فعجبت الملائكة من شدة الجبال فقالوا : يا رب ! هل من خلقك شيء أشد من الجبال ؟ قال : نعم ، الحديد ) فإنه يكسر الحجر ويقلع به الجبال ( فقالوا : يا رب ! هل من خلقك شيء أشد من الحديد ؟ قال : نعم ، النار ) فإنها تلين الحديد وتذيبه ( فقالوا : يا رب ! هل من خلقك شيء أشد من النار ؟ قال : نعم ، الماء ) لأنه يطفئها ( فقالوا : يا رب ! هل من خلقك شيء أشد من الماء ؟ قال : نعم ، الريح ) من أجل أنها تفرق الماء وتنشفه ، وقال الطيبي : فإن الريح تسوق السحاب الحامل للماء ( فقالوا : يا رب ! هل من خلقك شيء أشد من الريح ؟ قال : نعم ، ابن آدم تصدق صدقة بيمينه يخفيها من شماله ) قيل : أشديته - والله أعلم - إما باعتبار أنه سخر نفسه التي جبلت على غرائز لا تدفعها النار والماء والريح ولا تحمل على ما تأباه بالتشدد ولا تنقلب عما ترومه بالاحتيال ، فهي أشد من كل شديد ، ومع ذلك قد سخرها حيث منعها من إظهار الصدقة إيثارا للسمعة وحبا للثناء ، أو باعتبار أنه قد قهر الشيطان ، أو باعتبار أنه حصل رضا الرحمن ، وقيل : إنما كانت الصدقة أشد من الريح الأشد مما قبلها لأن صدقة السر تطفئ غضب الرب الذي لا يقابله شيء في الصعوبة والشدة ، فإذا عمل الإنسان عملا توسل إلى إطفائه كان أشد وأقوى من هذه الأجرام ، وقال الطيبي : فإن من جبلة ابن آدم القبض والبخل الذي هو من طبيعة الأرض ، ومن جبلته الاستعلاء وطلب انتشار الصيت وهما من طبيعتي النار والريح ، فإذا رغم بالإعطاء جبلته الأرضية أو بالإخفاء جبلته النارية والريحية كان أشد الكل ( رواه الترمذي وقال : هذا حديث غريب ، وذكر حديث معاذ الصدقة تطفئ الخطيئة ) أي تزيل الذنوب وتمحوها كما قال - تعالى - : إن الحسنات يذهبن السيئات ( في كتاب الإيمان ) أي في حديث طويل هناك فيكون من باب إسقاط المكرر .




الخدمات العلمية