الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
289 - وعن عمر بن الخطاب ، - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ - أو فيسبغ - الوضوء ، ثم يقول : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله - وفي رواية : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء . هكذا رواه مسلم في صحيحه ، والحميري في أفراد مسلم . وكذا ابن الأثير في جامع الأصول ، وذكر الشيخ محيي الدين النووي في آخر حديث مسلم على ما رويناه ، وزاد الترمذي : اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين .

والحديث الذي رواه محيي السنة في الصحاح : ( من توضأ فأحسن الوضوء ) إلى آخره رواه الترمذي في ( جامعه ) بعينه إلا كلمة ( أشهد ) في ( أن محمدا ) .

التالي السابق


289 - ( وعن عمر بن الخطاب ) : رضي الله تعالى عنه ( قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( ما منكم ) : من بيانية ، وقيل تبعيضية وهو حال على ضعف ( من أحد ) : الذي هو مبتدأ على رأي سيبويه ، ومن زائدة ( يتوضأ فيبلغ ) : من الإبلاغ ( - أو فيسبغ - ) : من الإسباغ ، وهو للشك ( الوضوء ) : بفتح الواو ، وقيل بالضم أي : ماء الوضوء ، وأغرب ابن حجر هنا أيضا حيث قال : أن يأتي بواجباته ويحتمل مكملاته اهـ . لأن عطف الإبلاغ والإسباغ على التوضؤ لا يكون إلا بإرادة المكملات فإن أصل الوضوء لا يتصور بدون الواجبات ( ثم يقول ) : أي : عقيب وضوئه ( أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله ) قال الطيبي : قول الشهادتين عقيب الوضوء إشارة إلى إخلاص العمل لله ، وطهارة القلب من الشرك والرياء بعد طهارة الأعضاء من الحدث والخبث . قال الإمام النووي : يستحب أن يقال عقيب الوضوء كلمتا الشهادة وهذا متفق عليه ، وينبغي أن يضم إليهما ما جاء في رواية الترمذي ( اللهم اجعلني من التوابين ، واجعلني من المتطهرين ) ويضم إليه ما رواه النسائي في كتاب عمل اليوم والليلة مرفوعا : ( سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك ) قال أصحابنا : وتستحب هذه الأذكار للمغتسل أيضا اهـ .

( وفي رواية ) : أي : لمسلم ( أشهد أن لا إله إلا الله وحده ) : أي : واحدا بالذات منفردا بالصفات ( لا شريك له ) في ذاته وصفاته ( وأشهد ) : ولعل تكراره هنا لطول الفصل ( أن محمدا عبده ) الأفضل لا إله إلا الله وحده لا شريك وأشهد أن محمدا عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية ، يدخل من أيها شاء هكذا رواه مسلم في صحيحه والحميدي في ( أفراد مسلم ) وكذا ابن الأثير في ( جامع الأصول ) وذكر الشيخ محيي الدين النووي في آخر حديث مسلم على ما رويناه ، وزاد الترمذي ( اللهم اجعلني من التوابين ، واجعلني من المتطهرين ) . والحديث الذي رواه محيي السنة في الصحاح : ( من توضأ فأحسن الوضوء ) إلى آخره ، رواه الترمذي في ( جامعه ) بعينه إلا كلمة ( أشهد ) قبل ( أن محمدا ) ( ورسوله ) : الأكمل ( إلا فتحت ) : بالتخفيف والتشديد ( له أبواب الجنة الثمانية ) : بالرفع ( يدخل من أيها شاء ) : الأظهر أنها استئنافية لصحة قيام " ليدخل " مقامها . قيل : فيخير إظهارا لمزيد شرفه ، لكنه لا يلهم إلا اختيار الدخول من الباب المعد لعاملي نظير ما غلب عليه من أعماله كالريان للصائمين . ( هكذا رواه مسلم في صحيحه والحميدي في إفراد مسلم وكذا ابن الأثير في جامع الأصول .

( وذكر الشيخ محيي الدين ) : لا ينافي ما نقل عنه أنه قال : لا أجعل في حل من يسميني محيي الدين لأن ذلك منه إنما هو من باب التواضع ( النووي ) : بواوين ليس بينهما ألف ، وبعضهم يقولون النواوي بالألف والأول هو القياس لأنه منسوب إلى نوى قرية قرب دمشق كذا قال ابن حجر ( في آخر حديث مسلم على ما رويناه ) : متعلق بآخر وهو معلوم ، وقيل مجهول أي : على وقفه ( وزاد الترمذي ) هذا مذكور النووي ( اللهم اجعلني من [ ص: 350 ] التوابين ) : أي : للذنوب والراجعين عن العيوب ، وليس فيه دعاء صريحا ولا لزوما بإكثار وقوع الذنوب منه ، بل بأنه إذا وقع منه ذنب ألهم التوبة عنه ، وإن كثر وفيه تعليم للأمة كما ورد : كلكم خطاءون وخير الخطائين التوابون . وقال تعالى إن الله يحب التوابين أي الذين لم يرجعوا عن باب مولاهم ، ولم يقنطوا من رحمة الله ( واجعلني من المتطهرين ) : أي : بالخلاص من تبعات الذنوب السابقة ، وعن التلوث بالسيئات اللاحقة ، أو من المتطهرين من الأخلاق الذميمة ، فيكون فيها إشارة إلى أن طهارة الأعضاء الظاهرة لما كانت بيدنا طهرناها ، وأما طهارة الأحوال الباطنة فإنما هي بيدك فأنت تطهرها بفضلك وكرمك .

( والحديث الذي رواه محيي السنة ) رحمه الله تعالى ( في الصحاح ) ( من توضأ فأحسن الوضوء إلى آخره ) : قال ابن الملك ، ثم قال : ( أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، اللهم اجعلني من التوابين ، واجعلني من المتطهرين فتحت له ثمانية أبواب الجنة يدخل من أيها شاء رواه عقبة بن عامر كذا في المصابيح اهـ ( رواه الترمذي في جامعه بعينه إلا كلمة " أشهد " قبل أن محمدا ) والحاصل ورود الاعتراض على صاحب المصابيح حيث ذكر رواية الترمذي في الصحاح لإيهامها أنه كله في أحد الصحيحين أو كليهما وليس كذلك . قال في الأزهار هذا حديث مضطرب ومنقطع ، وإلحاق الضعيف بالصحيح غير مقبول مع تغيير العبارة لفظا ومعنى .




الخدمات العلمية