الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
2955 - وعن أمية بن صفوان ، عن أبيه - رضي الله عنه - : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استعار منه أدراعه يوم حنين ، فقال : أغصبا يا محمد ؟ قال " بل عارية مضمونة " . رواه أبو داود .

التالي السابق


2955 - ( وعن أمية ) بالتصغير ( ابن صفوان ) بفتح فسكون ( عن أبيه ) قال المؤلف : " هو صفوان بن أمية بن خلف الجمحي القرشي ، هرب يوم الفتح فاستأمن له عمير بن وهب وابنه وهب بن عمير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فأمنه وأعطاهما رداءه أمانا له ، فأدركه وهب فرده إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فلما وقف عليه قال : هذا وهب بن عمير زعم أنك أمنتني على أن أسير شهرين ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " انزل أبا وهب " فقال : لا حتى تبين لي ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " انزل فلك أن تسير أربعة أشهر " فنزل وخرج معه إلى حنين فشهدها وشهد الطائف كافرا ، فأعطاه من الغنائم فأكثر ، فقال صفوان : أشهد بالله ما طاب هذا إلى نفس نبي ، فأسلم يومئذ وأقام بمكة ، ثم هاجر إلى المدينة ، فنزل على العباس ، فذكر ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : " لا هجرة بعد الفتح " ، وكان صفوان أحد أشراف قريش في الجاهلية وكانت امرأته أسلمت قبله بشهر ، فلما أسلم صفوان أقرا على نكاحهما ، مات صفوان بمكة سنة اثنتين وأربعين ، وروى عنه نفر ، وكان من المؤلفة قلوبهم ، وحسن إسلامه ، وكان من أفصح قريش لسانا ( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استعار منه أدراعه ) جمع درع أي : أراد أخذها عارية منه ( يوم حنين ) قال ابن الملك : " كان صاحب الأدراع كافرا دخل المدينة بإذنه - عليه الصلاة والسلام - ليسمع القرآن والحديث ويتعلم أحكام الدين بشرط أنه إن اختار دين الإسلام أسلم ، وإلا رجع إلى وطنه بلا لحوق أذية له من المسلمين ، فظن أنه يأخذها ولا يردها ( فقال : أغصبا ) والمعتمد ما قدمناه عن المصنف . قال الطيبي - رحمه الله - : " قوله : غصبا معمول مدخول الهمزة أي : أتأخذها غصبا لا تردها علي ( يا محمد ؟ ) قيل : هذا النداء لا يصدر عن مؤمن قال تعالى :

[ ص: 1978 ] ( لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا ) وأما ما ذكره الطيبي - رحمه الله - من قوله سبحانه : ( ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض ) فغير مناسب بالمقام وغير ملائم بالمرام . قال التوربشتي - رحمه الله - : أنه كان يومئذ مشركا وقد أخذ بمجامع قلبه الحمية الجاهلية ( قال : " بل عارية " ) بالتشديد ويخفف وبالنصب ويرفع وكذا قوله ( " مضمونة " ) أي : مردودة والمعنى أن أستعيرها وأردها ، فوضع الضمان موضع الرد مبالغة في الرد ، أي : كيف لا أردها وإنها مضمونة علي ، فمن قال : إنها غير مضمونة نظر إلى ظاهر الكلام ، ومن قال : إنها مضمونة نظر إلى هذه الدقيقة كذا حققه الطيبي ، وقال ابن الملك : " قوله : مضمونة مؤول بضمان الرد أي : يجب على المستعير مؤنة ردها إلى مالكها ، وفيه دليل على وجوب أداء عينها عند قيامها .

قال القاضي : " هذا الحديث دليل على أن العارية مضمونة على المستعير ، فلو تلفت في يده لزمه الضمان ، وبه قال ابن عباس ، وأبو هريرة - رضي الله عنهما - ، وإليه ذهب عطاء ، والشافعي ، وأحمد . وذهب شريح ، والحسن والنخعي ، وأبو حنيفة ، والثوري - رضي الله عنهم - إلى أنها أمانة في يده لا تضمن إلا بالتعدي ، وروي ذلك عن علي ، وابن مسعود - رضي الله عنهما - ، وأول قوله : مضمونة بضمان الرد وهو ضعيف لأنها لا تستعمل فيه ، ألا ترى أنه يقال : الوديعة مردودة ، ولا يقال أنها مضمونة ، وإن صح استعماله فيه ، فحمل اللفظ هنا عليه عدول عن الظاهر بلا دليل ، وقال مالك : " إن خفي تلفه أي : لم يقم له بينة على تلفه ضمن ، وإلا فلا ( رواه أبو داود ) .




الخدمات العلمية