الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
3417 - وعن عائشة رضي الله عنها ، قالت : أنزلت هذه الآية : لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم في قول الرجل : لا والله ، وبلى والله . رواه البخاري .

وفي شرح السنة لفظ المصابيح وقال : رفعه بعضهم عن عائشة رضي الله عنها .

التالي السابق


3417 - ( وعن عائشة رضي الله عنها ، قالت : أنزلت هذه الآية : لا يؤاخذكم : بالهمز ويبدل واوا أي لا يعاقبكم الله باللغو في أيمانكم : الكشاف : اللغو الساقط الذي لا يعتد به من كلام وغيره ، واللغو في اليمين الذي عقد معه ، والدليل عليه ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان ( في قول الرجل ) أي : نزلت في قول الشخص ( لا والله ) أي : في يمين النفي ( وبلى والله ) : في يمين الإثبات من غير قصد إلى اليمين بل القصد تأكيد الحكم العاري عن اليمين المجرد على جري العادة في اللسان من غير عقد بالجنان ( رواه البخاري . وفي شرح السنة لفظ المصابيح ) : مبتدأ مؤخر ، وفي نسخة بلفظ المصابيح أي : الحديث واقع بلفظه ( وقال ) أي : البغوي ( رفعه ) أي : الحديث ( بعضهم ) أي : بعض المخرجين ( عن عائشة ) : - رضي الله تعالى عنها - . قال الطيبي رحمه الله : أي : رفع الحديث بعضهم إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - متجاوزا عن عائشة ، وذلك أن قوله عن عائشة قالت : أنزلت ظاهر في أنه موقوف عليها ، فإن قلت : كيف ساغ ذكر الموقوف وهو ضعيف في صحيح البخاري ؟ قلت : مثل هذا ليس بموقوف .

قال ابن الصلاح : تفسير الصحابي موقوف إلا فيما يتعلق بسبب نزول آية ، وما نحن فيه من هذا القبيل اهـ .

والتحقيق أن كون الموقوف قد يكون في حكم المرفوع لا يخرجه عن أن يكون ضعيفا ، فإن مدار الضعف وضده على إسناد الحديث ، وأما كونه موقوفا حقيقيا أو مرفوعا حكميا ، فحكم آخر ، وبهذا تبين لك أن كل موقوف غير ضعيف ، كما أن كل مرفوع غير صحيح ، وقد كثر وجود الموقوف مطلقا في الصحيحين فتدبر يظهر لك الأثر . قال ابن الهمام في شرح الهداية : ويمين اللغو أن يحلف على أمر ، وهو يظن أنه كما قال . والأمر [ ص: 2241 ] بخلافه مثل : والله لقد دخلت الدار والله ما كلمت زيدا ونحوه ، وهذا مروي عن ابن عباس - رضي الله عنه - في تفسير اللغو ، وبه قال أحمد . وقال الشافعي رحمه الله : كل يمين صدرت عن غير قصد في الماضي وفي المستقبل ، وهو مباين للتفسير المذكور ; لأن الحلف على أمر يظنه كما قال لا يكون إلا عن قصد ، وهو رواية عن أحمد ، وهو معنى ما روى صاحب السنن عن عائشة رضي الله عنها هو كلام الرجل في بيته ، كلا والله وبلى والله . قال الشعبي ومسروق : لغو اليمين أن يحرم على نفسه ما أحل الله له من قول أو عمل ، وفي الهداية : القاصد في اليمين والمكره والناسي ، وهو من تلفظ باليمين ذاهلا عنه ، ثم تذكر أنه تلفظ به ، وفي بعض النسخ الخاطئ وهو من أراد أن يتكلم بكلام غير الحلف جرى على لسانه حنث لزمته الكفارة لقوله - عليه الصلاة والسلام - : " ثلاث جدهن جد وهزلهن جد : النكاح والطلاق واليمين .

قال ابن الهمام : هكذا ذكره المصنف وبعضهم كصاحب الخلاصة جعل مكان اليمين العتاق ، والمحفوظ حديث أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : " ثلاث جدهن جد وهزلهن جد : النكاح والطلاق والرجعة " . وأخرجه أحمد ، وأبو داود ، وابن ماجه ، وقد ورد حديث العتاق في مصنف عبد الرحمن من حديث أبي ذر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من طلق وهو لاعب فطلاقه جائز ، ومن أعتق وهو لاعب فعتقه جائز " . وروى ابن عدي في الكامل ، من حديث أبي هريرة مرفوعا قال : " ثلاث ليس فيهن لعب ، من تكلم بشيء منهن لاعبا فقد وجب عليه : الطلاق ، والعتاق ، والنكاح " . وأخرج عبد الرزاق عن عمرو وعلي موقوفا أنهما قالا : ثلاث لا لعب فيهن : النكاح والعتاق والطلاق . وفي رواية عنهما : أربع ، وزاد النذر ، ولا شك أن اليمين في معنى النذر فيقاس عليه ، وإذا كان اللغو بتفسيرهم وهما أم يقصد اليمين مع ضد البر ليس لها حكم اليمين فما لن يقصده أصلا بل هو كالنائم يجري على لسانه طلاق أو عتاق لا حكم به وأولى أن لا يكون لها حكم اليمين ، وأيضا فتفسير اللغو المذكور في حديث عائشة رضي الله عنها إن لم يكن هو نفس التفسير الذي فسروا به الناسي ، فإن المتكلم بذلك في بيته لا يقصد التكلم به ، بل يجري على لسانه بحكم العادة غير مراد لفظه ، ولو لم يكن إياه كان أقرب إليه من الهازل ، فحمل الناسي على اللاغي بالتفسير المذكور أولى من حمله على الهازل ، وهذا الذي أدينه ، وتقدم لنا في الطلاق مثله . قال : والشافعي رحمه الله يخالفنا في ذلك ، فيقول . لا تنعقد يمين المكره والناسي والمخطئ للحديث المشهور : " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " .

قال المصنف : وسنبين في الإكراه . قلت : والظاهر أن المراد بالرفع رفع الوزر لا العقد ، وما يترتب عليه من الكفارة . قال ابن الهمام رحمه الله : واستدل الشافعي وأحمد على ما ذكره ابن الجوزي رحمهم الله في التحقيق من عدم انعقاد يمين المكره بما رواه الدارقطني ، عن واثلة بن الأسقع وأبي أمامة قالا : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ليس على مقهور يمين " . ثم قال عنبسة : ضعيف . قال صاحب تنقيح التحقيق : حديث منكر بل موضوع ، وفيه جماعة لا يجوز الاجتماع بهم ، ثم اليمين الغموس أي التي تغمس صاحبها في الإثم ثم في النار ، فعول بمعنى فاعل لصيغة المبالغة هو الحالف على أمر ماض يتعمد الكذب به لما في صحيح ابن حبان من حديث أبي أمامة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من حلف على يمين وهو فاجر ليقتطع بها مال امرئ مسلم حرم الله عليه الجنة وأدخله النار " . وفي الصحيحين : " لقي الله وهو عليه غضبان " . قلت : رواهما الأربعة وأحمد قال : وفي سنن أبي داود من حديث عمران بن حصين قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من حلف على يمين مصبورة كذبا فليتبوأ مقعده من النار " . والمراد بالمصبورة الملزمة بالقضاء والحكم أي المحبوس عليها لأنه مصبور عليها ولا كفارة فيها إلا التوبة والاستغفار ، وهو قول أكثر العلماء منهم : مالك ، وأحمد ، وقال الشافعي رحمه الله : فيها الكفارة . وتمام بحث المقام في شرح الهداية لابن همام : وأما قول الشافعي رحمه الله : الغموس مكسوبة بالقلب والمكسوبة يؤخذ بها لقوله تعالى جل جلاله : لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم وبين سبحانه المراد بالمؤاخذة بقوله تعالى جل شأنه : ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته فبين أن المراد بها الكفارة فالجواب أن المؤاخذة مطلقا في الآخرة ، وهي المراد بالمؤاخذة في الغموس وفي الدنيا وهي المكسوبة ، والمراد بها المعقودة كما ذكر ، وقد روى الإمام أحمد في مسنده ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حديث مطول قال فيه : " خمس ليس فيهن كفارة : الشرك بالله عز وجل ، وقتل النفس بغير حق ، ونهب مؤمن ، والفرار من الزحف ، ويمين صابرة يقطع بها مالا بغير حق " . اهـ . وكل من قال لا كفارة في الغموس لم يفصل بين اليمين المصبورة على مال كاذبا وغيرها ، وصابرة بمعنى مصبورة كعيشة راضية .

[ ص: 2242 ]



الخدمات العلمية