الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
3498 - وعن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده قال : كانت قيمة الدية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانمائة دينار ، أو ثمانية آلاف درهم ، ودية أهل الكتاب يومئذ النصف من دية المسلمين . قال : فكان كذلك حتى استخلف عمر رضي الله عنه فقام خطيبا قال : إن الإبل قد غلت . قال : ففرضها عمر على أهل الذهب ألف دينار ، وعلى أهل الورق اثني عشر ألفا ، وعلى أهل البقر مائتي بقرة ، وعلى أهل الشاء ألفي شاة ، وعلى أهل الحلل مائتي حلة . قال : وترك دية أهل الذمة لم يرفعها فيما رفع من الدية . رواه أبو داود .

التالي السابق


3498 - ( وعن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده قال : كانت قيمة الدية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانمائة دينار أو ثمانية آلاف درهم ) : قيل : دل على أن أصل الدية الإبل - وأنها تختلف بحسب اختلاف قيمتها كما هو مذهب الشافعي في الجديد ( ودية أهل الكتاب ) : أي كانت يومئذ ( النصف ) : بالنصب على أنه خبر كان ، وفي نسخة بالرفع على أنه خبر المبتدأ ( من دية المسلمين ) . من تبعيضية متعلقة بالنصف ( قال ) : أي جده ( فكان ) : أي الأمر ( كذلك ) : أي على ذلك وفي رواية الشمني : فكان ذلك ( حتى استخلف عمر ) ، بصيغة المفعول أي جعل خليفة ( فقال ) : وفي رواية الشمني فقام ( خطيبا ، فقال : ألا إن الإبل غلت ) : وفي رواية : قد غلت من الغلاء ، وهو ارتفاع الثمن أي ازدادت قيمتها ( قال ) : أي جده ( ففرضها ) : أي قدر الدية ( عمر على أهل الذهب ألف دينار ، وعلى أهل الورق ) : بكسر الراء ويسكن أي أهل الفضة ( اثني عشر ألفا ) ، أي من الدراهم ( وعلى أهل البقر مائتي بقرة ، وعلى أهل الشاء ) : بالهمزة في آخره اسم جنس ( ألفي شاة ) . بالتاء الواحدة من الجنس ( وعلى أهل الحلل ) : بضم ففتح ( مائتي حلة ) . قال ابن الملك : وهي إزار ورداء من أي نوع من أنواع الثياب ، وقيل : الحلل برود اليمن ولا يسمى حلة حتى يكون ثوبين . ( قال ) : أي جده ( وترك ) : أي عمر ( دية أهل الذمة ) : على ما كان عليه في عهده عليه الصلاة والسلام ( لم يرفعها فيما رفع من الدية ) . قال الطيبي : يعني لما كانت قيمة دية المسلم اثني عشر ألفا وقرر دية الذمي على ما كان عليه من أربعة آلاف درهم صار دية الذمي كثلث دية المسلم مطلقا ، ولعل من أوجب الثلث نظر إلى هذا . ( رواه أبو داود ) .

قال الشمني : الدية من الذهب ألف دينار ، ومن الفضة عشرة آلاف درهم ، ومن الإبل مائة وقال الشافعي : من الورق اثنا عشر ألفا ، وبه قال مالك ، وأحمد وإسحاق لما أخرج أصحاب السنن الأربعة ، عن محمد بن مسلم ، عن عمرو بن دينار ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : أن رجلا من بني عدي قتل فجعل النبي صلى الله عليه وسلم ديته اثني عشر ألفا ، ولنا وهو قول الثوري ، وأبي ثور من أصحاب الشافعي ما روى البيهقي من طريق الشافعي قال : قال محمد بن الحسن : بلغنا عن عمر أنه فرض على أهل الذهب في الدية ألف دينار ومن الورق عشرة آلاف درهم ، حدثنا بذلك أبو حنيفة عن الهيثم عن الشعبي عن عمر قال : فقال أهل المدينة : فرض عمر على أهل الورق اثني عشر ألف درهم . قال محمد بن الحسن : صدقوا ولكنه فرضها اثني عشر ألفا وزن ستة ، وذلك عشرة آلاف ، كذا في نسخة وفي أخرى قال محمد بن الحسن : وأخبرني الثوري ، عن مغيرة الضبي ، عن إبراهيم قال : كانت الدية الإبل فجعلت الإبل كل بعير بمائة وعشرين درهما وزن ستة فذلك عشرة آلاف درهم ، وفي التجريد للقدوري : لا خلاف أن الدية ألف دينار ، وكل دينار عشرة دراهم ، ولهذا جعل نصاب الذهب عشرين دينار ، ونصاب الورق مائتي درهم .

واعلم أن العلماء اختلفوا في الأصل في الدية . فقال الشافعي وأحمد في رواية وابن المنذر : الإبل فقط فتجب قيمتها بالغة ما بلغت ، لما أخرجه أبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه وصححه ابن القطان من حديث عبد الله بن عمرو ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ألا إن دية الخطأ شبه العمد ما كان بالسوط والعصا مائة من الإبل منها أربعون في [ ص: 2291 ] بطونها أولادها ) ولأنه عليه الصلاة والسلام فرق بين دية شبه العمد ودية الخطأ ، فغلظ بعضها وخفف بعضها ولا يتحقق ذلك في غير الإبل ولأن الإبل مجمع عليها وما عداها مختلف فيه فيؤخذ بالمتيقن . وقال أبو حنيفة : الإبل والذهب والفضة ، وهو قول أحمد والشافعي في القديم ومقتضى قول المالكية أن القاتل إن كان من أهل البوادي والعمود فمائة من الإبل وإن كان من أهل الذهب كأهل الشام ومصر المغرب فألف دينار ، وإن كان من أهل الورق كأهل خراسان والعراق وفارس فاثنا عشر ألف درهم ، وقال أبو يوسف ومحمد وأحمد في رواية : الإبل والذهب والفضة والبقر مائتا بقرة والغنم ألفا شاة والحلة مائتا حلة لهذا الحديث ولأبي حنيفة ما رواه البيهقي من طريق الشافعي وقد مر الآن ثم فائدة الخلاف تظهر في اختيار القاتل فعند أبي حنيفة له الخيار من الأنواع الثلاثة فقط وعندهما من الستة وتظهر في الصلح فعند أبي حنيفة يجوز الصلح عن الدية على أكثر من مائتي بقرة في رواية ولا يجوز في رواية أخرى كقولهما كما لو صالح على أكثر من مائة من الإبل أو أكثر من ألف دينار .




الخدمات العلمية