الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
3553 - وعن شريك بن شهاب قال : كنت أتمنى أن ألقى رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أسأله عن الخوارج فلقيت أبا برزة في يوم عيد في نفر من أصحابه فقلت له : هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الخوارج ؟ قال : نعم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بأذني ورأيته بعيني ، أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بمال فقسمه فأعطى من عن يمينه ومن عن شماله ولم يعط من وراءه شيئا ، فقام رجل من ورائه فقال : يا محمد ما عدلت في القسمة ، رجل أسود مطموم الشعر عليه ثوبان أبيضان ، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم غضبا شديدا وقال : والله لا تجدون بعدي رجلا هو أعدل مني . ثم قال : يخرج في آخر الزمان قوم كان هذا منهم يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية سيماهم التحليق لا يزالون يخرجون حتى يخرج آخرهم مع المسيح الدجال فإذا لقيتموهم هم شر الخلق والخليقة . رواه النسائي .

التالي السابق


3553 - ( وعن شريك بن شهاب ) بكسر أوله قال المؤلف : هو الحارثي البصري يعد في التابعين روى عن أبي برزة الأسلمي وعنه الأزرق بن قيس وليس بذلك مشهورا ( قال كنت أتمنى أن ألقى أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم .

[ ص: 2322 ] ( أسأله عن الخوارج ) إما صفة أحدا أو حال منه لوصفه ( فلقيت أبا برزة رضي الله عنه ) بفتح الموحدة وسكون الراء وبالزاي . قال المؤلف : وهو نضلة بن عبيد الأسلمي أسلم قديما وهو الذي قتل عبد الله بن خطل ولم يزل يغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قبض فتحول ونزل البصرة ثم غزا خراسان ومات بمرو سنة ستين ( في يوم عيد في نفر ) أي كائنا في جماعة ( من أصحابه ) أي من التابعين ( فقلت له : هل سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الخوارج ) قال الطيبي : حال مزال عن كونه مضافا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تقديره سمعت ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الخوارج فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ثم جيء بعده بيذكر جملة حالية دلالة على المحذوف ( قال : نعم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بأذني ) بضم الذال ويسكن وبتشديد التحتية على التثنية لإفادة التأكيد وبتخفيفها على الإفراد لإرادة الجنس وكذا قوله ( ورأيته بعيني ) ولا يخفى ما في قوله بأذني وبعيني من التأكيد إذ السماع والرؤية لا يكون إلا بأذن وعين فهو من باب قوله تعالى ولا طائر يطير بجناحيه قال الطيبي : قوله ( أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بمال ) إلخ حال من مفعول رأيته أي رأيته حال كونه مأتيا بمال وكل من ذكر قوله بأذني وبعيني وتكرير رسول الله صلى الله عليه وسلم إيذان بتحقيق الأمر وتثبيته في الرواية وإنه مما لا يستراب فيه ( فقسمه ) أي ذلك المال ( فأعطى من عن يمينه ومن عن شماله ولم يعط من وراءه شيئا ) بفتح الميم ولعل عدم إعطائهم ليظهر ما ظهر منهم ( فقام رجل من ورائه ) بكسر الميم ( فقال : يا محمد ما عدلت في القسمة رجل أسود ) خبر مبتدأ محذوف وارد على الذم والشتم ; لأن دمامة الصورة تدل على خباثة السريرة ( مطموم الشعر ) في النهاية : يقال طم شعره وجزه استأصله اه وكأنه إشارة إلى تجرده للفساد وليس فيه شعر من الشعور والأدب في الحضور ( عليه ثوبان أبيضان ) إيماء إلى نفاقه من نظافة ظاهره وكثافة باطنه وبياض كسوته وسواد جثته ( فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم غضبا شديدا ) أي ثم حلم حلما عظيما ( وقال : والله لا تجدون بعدي ) أي غيري وقال الطيبي : أي متجاوزا عني ( رجلا هو عدل مني ) أي عادل مثلي ( ثم قال : يخرج في آخر الزمان قوم كان ) بتشديد النون ( هذا ) أي هذا الرجل ( منهم ) أي من رؤسائهم وأئمتهم وقال الطيبي : أي من شيعتهم ومقتفي سيرتهم كقوله تعالى المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض ( يقرءون القرآن ) استئناف بيان لسوء حالهم وفعالهم ومآلهم ( لا يجاوز ) أي قرآنهم أو قراءتهم ( تراقيهم ) أي حلوقهم ( يمرقون ) أي يخرجون ( من الإسلام ) أي من الانقياد التام بخروجهم عن طاعة الإمام ( كما يخرج السهم من الرمية ) أي الصيد .

[ ص: 2323 ] ( سيماهم ) أي علامتهم ( التحليق ) أي علامتهم تنظيف الظاهر وتجريده على وجه المبالغة الدالة على كثافة باطنهم وتعليقه بحب المال والجاه ( لا يزالون يخرجون ) أي يظهرون الفساد بين العباد في كل البلاد ( حتى يخرج آخرهم مع المسيح الدجال فإذا لقيتموهم هم شر الخلق والخليقة ) جزاء الشرط وإنما لم يؤت بالفاء ; لأن الشرط ماض كذا قال أبو البقاء في قوله تعالى وإن أطعتموهم إنكم لمشركون قال الطيبي ومع هذا لا بد من التأويل أي فإذا لقيتموهم فاعلموا أنهم شرار خلق الله فاقتلوهم كما قال طوبى لمن قتلهم وقتلوه ووجه آخر وهو أن يكون الجزاء محذوفا يعني فاقتلوهم والجملة بعده استئنافية لبيان الموجب ثم إنه عطف الخليقة على الخلق فلا بد من المغايرة فلا يحمل الشر على التفصيل مبالغة أي هم شر خلقا وشر سجية وفي عكسه اللهم كما حسنت خلقي فحسن خلقي ( رواه النسائي ) .




الخدمات العلمية