الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
3770 - وعن أم سلمة رضي الله عنها ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : في رجلين اختصما إليه في مواريث لم تكن لهما بينة إلا دعواهما . فقال : " من قضيت له بشيء من أخيه ; فإنما أقطع له قطعة من النار . فقال الرجلان : كل واحد منهما : يا رسول الله ! حقي هذا لصاحبي ، فقال : لا ، ولكن اذهبا ، فاقتسما ، وتوخيا الحق ، ثم استهما ، ثم ليحلل كل واحد منكما صاحبه . وفي رواية ، قال : " إنما أقضي بينكما برأيي فيما ينزل علي فيه " رواه أبو داود .

التالي السابق


3770 - ( وعن أم سلمة رضي الله عنها ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : في رجلين اختصما في مواريث ) : جمع موروث ; أي : تداعيا في أمتعة فقال أحدهما : هذه لي ورثتها من مورثي ، وقال الآخر : كذلك ( لم يكن لهما بينة ) : صفة أخرى لرجلين ( إلا دعواهما ) : إلا هنا بمعنى غير ، أو الاستثناء منقطع . قال الطيبي : هو من باب التعليق بالمحال مبالغة ، كقوله تعالى : ( لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ) ; أي : لم تكن لهما بينة إلا الدعوى ، وقد علم أن الدعوى ليست ببينة ، فيلزم أن لا يكون لهما بينة قط . ( قال : من قضيت له بشيء من حق أخيه ; فإنما أقطع له قطعة من النار . قال الرجلان : كل واحد منهما ) : بدل من الرجلين ; أي قال : كل واحد من الرجلين ( يا رسول الله ! حقي هذا لصاحبي ، فقال : لا ) : أي : لا يتصور هذا إذ لا يمكن أن يكون شيء واحد لشخصين استقلالا ( ولكن اذهبا ، فاقتسما ) : أي : نصفين على سبيل الاشتراك ( وتوخيا ) : بتشديد الخاء المعجمة ; أي : اطلبا ( الحق ) : أي : العدل في القسمة ، واجعلا المتنازع فيه نصفين ( ثم استهما ) : أي اقترعا لتبيين الحصتين إن وقع التنازع بينكما ليظهر ; أي القسمين وقع في نصيب كل منكما وليأخذ كل واحد منكما ما تخرجه القرعة من القسمة ، ( ثم ليحلل ) بتشديد اللام ; أي : ليجعل حلالا ( كل واحد منكما صاحبه ) : أي : فيما يستحقه ، والظاهر أن هذا من طريق الورع والتقوى ، لا من باب الحكومة والفتوى ، وقيل : توخيا في معرفة مقدار الحق ، وهذا يدل على أن الصلح لا يصح إلا في شيء معلوم ، والتوخي إنما يفيد ظنا فضم إليه القرعة ، وهى نوع من البينة ، ليكون أقوى ، وأمر بالتحليل ليكون افتراقهما عن تعين براءة وطيب نفس اه . وفيه أن البراءة المجهولة تصح عندنا ، فهو محمول على سلوك سبيل الاحتياط ، والله أعلم . ( وفي رواية قال : إنما أقضي بينكما برأيي فيما أنزل علي فيه ) : بصيغة المجهول من الإنزال ، ويجوز وجهان آخران . ( رواه أبو داود ) : قد تقدم ما يؤيده من الروايات ، وفيه دلالة على وقوع اجتهاده - صلى الله عليه وسلم - .

[ ص: 2446 ]



الخدمات العلمية