الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [فيما تقع به الحرمة من اللبن]

                                                                                                                                                                                        الحرمة تقع بما يصل إلى الحلق من اللبن، وسواء كان ذلك برضاع من المولود، أو صب في حلقه من غير رضاع. قال مالك: والوجور يحرم.

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ -رحمه الله-: وهو ما صب من تحت اللسان. واللدود: ما صب من جانب الشدق. ولديدا الوادي: جانباه. وقد قيل في الوجور واللدود غير هذا، وليس بحسن، والأول أصح.

                                                                                                                                                                                        ويختلف في أربع: في السعوط، وما يصل من العين مع الكحل، أو من الأذن، وفي الحقنة.

                                                                                                                                                                                        فقال ابن القاسم في المدونة في السعوط: إن وصل إلى جوف الصبي حرم.

                                                                                                                                                                                        وقال مالك في "كتاب ابن حبيب": في السعوط يحرم. وقال عطاء بن أبي رباح: لا يحرم.

                                                                                                                                                                                        وقول مالك أحسن؛ لأنه منفذ متسع يصل منه قدر المصة، فلا يمنع التحريم إلا على القول بالثلاث رضعات أو بالخمس. [ ص: 2144 ]

                                                                                                                                                                                        ومحمل قول ابن القاسم: إن كان وصل إلى الجوف، ليس ببين؛ لأنه ليس بكبير فيخبر عن نفسه، إلا أن يريد أن وصوله مشكوك فيه، فقوله ذلك عبارة عن الوقوف، كأنه يقول: إنما تقع الحرمة إذا وصل إلى الجوف، ولا يدري هل وصل؛ لأنه ليس بكبير فيخبر بوصوله.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن حبيب في الكحل ينماع باللبن: إن كان بعقاقير تصل إلى الجوف، مثل الصبر المر والعنزروت يحرم، وهذا ضعيف؛ لأن اللبن مستهلك في الدواء.

                                                                                                                                                                                        وقد اختلف عن مالك في وقوع الحرمة بمثل ذلك وإن كثر وصب في الحلق، فكيف بما وصل من العين.

                                                                                                                                                                                        وقد اختلف عن مالك في وقوع الفطر بجملة ما وصل من العين، فوقوع الحرمة بالجزء الذي فيه من اللبن أبعد، وعلى هذا يجري الجواب فيما وصل من الأذن. [ ص: 2145 ]

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم في الحقنة: تحرم إذا كانت تكون له غذاء. قال محمد: إذا كان لو لم يكن يطعم ويسقى إلا بالحقن لعاش به، وإلا لم يحرم. وقال ابن حبيب: يحرم لأنه يصل إلى الجوف.

                                                                                                                                                                                        ولا أرى أن يحرم؛ لأنه لا يغذي الجسم ولا يتصرف في العروق إلا ما وصل من المعى الأعلى.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية