الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                صفحة جزء
                                                                                4967 ( 10 ) في توجيه عمر إلى الشام

                                                                                ( 1 ) حدثنا وكيع قال ثنا هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه قال : لما أتى أبو عبيدة الشام حصر هو وأصحابه وأصابهم جهد شديد فكتب إليه عمر : سلام عليكم أما بعد فإنه لم تكن شدة إلا جعل الله بعدها فرجا ، ولن يغلب عسر يسرين ، وكتب إليه يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون قال : وكتب إليه أبو عبيدة : سلام عليكم أما بعد فإن الله قال : إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد إلى آخر الآية ، قال : فخرج عمر بكتاب أبي عبيدة فقرأ على الناس فقال : يا أهل المدينة ، إنما كتب أبو عبيدة يعرض بكم ويحثكم على الجهاد ، قال زيد : قال أبي ، قال : إني لقائم في السوق إذ أقبل قوم مبيضين قد هبطوا من الثنية فيهم حذيفة بن اليمان يبشرون ، قال : فخرجت أشتد حتى دخلت على عمر فقلت : يا أمير المؤمنين أبشر بنصر الله والفتح ، فقال عمر : الله أكبر رب قائل " لو كان خالد بن الوليد " [ ص: 38 ]

                                                                                ( 2 ) حدثنا وكيع قال حدثنا الأعمش عن أبي وائل عن عروة بن قيس البجلي أن عمر بن الخطاب لما عزل خالد بن الوليد واستعمل أبا عبيدة على الشام قام خالد فخطب الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : إن أمير المؤمنين استعملني على الشام حتى إذا كانت سمنا وعسلا عزلني وآثر بها غيري ، قال : فقام رجل من الناس من تحته فقال : اصبر أيها الأمير فإنها الفتنة ، قال : فقال خالد : أما وابن الخطاب حي فلا ، ولكن إذا كان الناس بذي بلى وذي بلى ، وحتى يأتي الرجل الأرض يلتمس فيها ما ليس في أرضه فلا يجده .

                                                                                ( 3 ) حدثنا وكيع قال حدثنا مبارك عن الحسن قال : قال عمر لما بلغه قول خالد بن الوليد : لأنزعن خالدا ولأنزعن المثنى حتى يعلما أن الله ينصر دينه ، ليس إياهما .

                                                                                ( 4 ) حدثنا أبو خالد الأحمر عن يحيى بن سعيد عن القاسم عن أسلم مولى عمر قال : لما قدمنا مع عمر الشام أناخ بعيره وذهب لحاجته فألقيت فروتي بين شعبتي الرحل ، فلما جاء ركب على الفروة ، فلقينا أهل الشام يتلقون عمر فجعلوا ينظرون ، فجعلت أشير إليهم ، قال : يقول : تطمح أعينهم إلى مراكب من لا خلاق له يريد مراكب العجم .

                                                                                ( 5 ) حدثنا وكيع عن إسماعيل عن قيس قال : لما قدم عمر الشام استقبله الناس وهو على البعير فقالوا : يا أمير المؤمنين لو ركبت برذونا يلقاك عظماء الناس ووجوههم ، فقال عمر : لا أراكم هاهنا ، إنما الأمر من هنا وأشار بيده إلى السماء .

                                                                                ( 6 ) حدثنا أبو أسامة عن إسماعيل عن قيس قال : جاء بلال إلى عمر وهو بالشام وحوله أمراء الأجناد جلوسا فقال : يا عمر ، فقال : ها أنا عمر ، فقال له بلال : إنك بين هؤلاء وبين الله وليس بينك وبين الله أحد ، فانظر من عن شمالك وانظر من بين يديك وخلفك ، إن هؤلاء الذين حولك والله إن يأكلون إلا لحوم الطير ، فقال عمر : صدقت والله لا أقوم من مجلسي هذا حتى يتكفلوا لكل رجل من المسلمين مدي طعام وحظهما من [ ص: 39 ] الخل والزيت ، فقالوا : ذاك إلينا يا أمير المؤمنين ، قد أوسع الله الرزق وأكثر الخير ، قال : فنعم .

                                                                                ( 7 ) حدثنا ابن عيينة عن أيوب عن نافع عن أسلم مولى عمر قال : لما قدم عمر الشام أتاه رجل من الدهاقين فقال : إني قد صنعت طعاما فأحب أن تجيء فيرى أهل أرضي كرامتي عليك ومنزلتي عندك أو كما قال ، فقال : إنا لا ندخل هذه الكنائس أو هذه البيع التي فيها الصور .

                                                                                ( 8 ) حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب قال : لما قدم عمر الشام أتته الجنود وعليه إزار وخفان وعمامة وأخذ برأس بعيره يخوض الماء ، فقالوا له : يا أمير المؤمنين ، تلقاك الجنود وبطارقة الشام وأنت على هذا الحال ، قال : فقال عمر : إنا قوم أعزنا الله بالإسلام ، فلن نلتمس العز بغيره .

                                                                                ( 9 ) حدثنا محمد بن بشر قال : حدثنا هشام بن سعد قال حدثني عروة بن رويم عن القاسم عن عبد الله بن عمر قال : جئت عمر حين قدم الشام فوجدته قائلا في خبائه فانتظرته في الخباء فسمعته حين تضور من نومه وهو يقول : اللهم اغفر لي رجوعي من غزوة سرغ يعني حين رجع من أجل الوباء .

                                                                                ( 10 ) حدثنا مسعر عن الشيباني عن أسد بن عمرو قال : لما أتى عمر الشام أتي ببرذون فركب عليه ، فلما هزه نزل عنه ثم قال : قبحك الله من علمك .

                                                                                ( 11 ) حدثنا جعفر بن عون عن أبي العميس قال : أخبرني قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب قال : لما قدم عمر الشام خطب الناس فقال : لا أعرفن رجلا طول لفرسه في جماعة من الناس ، قال : فأتى بغلام يحمل قد ضربته رجل فرس ، فقال له عمر : ما سمعت مقالتي بالأمس ؟ قال : بلى يا أمير المؤمنين ، قال : فما حملك على ما صنعت ؟ قال : رأيت من الطريق خلوة ، قال : ما أراك تعتذر بعذر من رجل ، يجلبان على هذا فيخرجاه من المسجد فيوسعانه ضربا والقوم سكوت لا يجيبه منهم أحد ، قال : ثم أعاد مقالته فقال [ ص: 40 ] له أبو عبيدة : يا أمير المؤمنين ، ما ترى في وجوه القوم كراهة أن تفضح صاحبهم ، قال : فقال لأهل الغلام : انطلقوا به فعالجوه ، فوالله لأن حدث به حدث لأجعلنك نكالا ، قال : فبرئ الغلام وعافاه الله .

                                                                                ( 12 ) حدثنا أبو أسامة عن أبي عون عن محمد قال : ذكر له أن عمر رجع من الشام حين سمع أن الوباء بها ، فلم يعرفه وقال : إنما أخبر أن المصايفة لا تخرج العام ، فرجع .

                                                                                ( 13 ) حدثنا إسماعيل بن عياش عن محمد بن يزيد الرحبي ومحمد الخولاني عن عروة بن رويم قال : كتب عمر إلى أبي عبيدة : سلام عليك أما بعد فإنه لم يقم أمر الله في الناس إلا حصيف العقل يعيد القوة ، لا يطلع الناس منه على عورة ولا يحس في الحق على حره ، ولا يخاف في الله لومة لائم والسلام عليك .

                                                                                ( 14 ) حدثنا أبو أسامة قال : حدثنا هشام عن أبيه قال : لما قدم عمر الشام كان قميصه قد تجوف عن مقعدته : قميص سنبلاني غليظ ، فأرسل به إلى صاحب أذرعات أو أبلة ، قال : فغسله ورقعه ، وخيط قميص قطري ، فجاءه به فألقى إليه القطري ، فأخذه عمر فمسه فقال : هذا أكبر ، فرمى به إليه وقال : ألق إلي قميصي فإنه أنشفهما للعرق .

                                                                                ( 15 ) حدثنا ابن نمير عن ثور عن زياد بن أبي سودة عن أبي مريم قال : لما أتى الشام أتى محراب داود فصلى فيه فقرأ سورة ( ص ) فلما انتهى إلى السجدة سجد .

                                                                                ( 16 ) حدثنا شريك عن أبي الجويرية الجرمي قال : كنت فيمن سار إلى الشام يوم الحارد فالتقينا ، وهب الريح عليهم وأدبروا ، فقتلناهم عشيتنا وليلتنا حتى أصبحنا ، قال : فقال إبراهيم يعني ابن الأشتر : إني قتلت البارحة رجلا وإني وجدت منه ريح طيب ، وما أراه إلا ابن مرجانة ، شرقت رجلاه وغرب رأسه ، أو شرق رأسه وغربت رجلاه ، قال : فانطلقت فنظرت فإذا هو والله يعني عبد الله بن زياد .

                                                                                ( 17 ) حدثنا شريك عن عطاء عن وائل بن علقمة أنه شهد الجيش بكربلاء ، قال : فجاء رجل فقال : أفيكم حسين ، فقال : من أنت ، قال : أبشر بالنار ، فقال : بل رب غفور [ ص: 41 ] شفيع مطاع ، قال : من أنت ؟ قال ابن حويزة ، قال : اللهم جره إلى النار ، قال : فذهب فنفر به فرسه على ساقيه فتقطع فما بقي منه غير رجليه في الركاب .

                                                                                التالي السابق


                                                                                الخدمات العلمية