الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " فإن كان وزنه ألفا وقيمته مصوغا ألفين فإنما زكاته على وزنه لا على قيمته " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : أما الأواني المحرمة فزكاتها على وزنها لا على قيمتها ، فإذا كان وزن الإناء ألفا وقيمته لصنعته ألفين فعليه زكاة ألف اعتبارا بوزنه ، وسواء كسر الإناء وأخذ زكاته من عينه أو أخرج عنه الزكاة من غيره ، وأما الحلي المصوغ فإن كان محظورا فزكاته على وزنه لا على قيمته كالأواني ، وإن كان مباحا وزنه ألف وقيمته ألفان فقد قال أبو العباس بن سريج : نعتبر الصنعة ونوجب الزكاة شائعة في جملته ، ثم يتبع قدر الزكاة فيه مشاعا ، إلا أن يعطي المالك قيمة الزكاة ذهبا ، أو يعطي من هذا الألف خمسة وعشرين درهما مصوغة تساوي خمسين درهما ، فإن أعطى خمسين درهما قال : لا يجوز ، وإن أراد المالك كسر [ ص: 277 ] حليه وإخراج زكاته من عينه منعه : لأن فيه إتلاف ما اعتبره من الصنعة ، وهذا الذي قاله أبو العباس عندي غلط ، فإن الزكاة في الحلي إذا وجبت فإنها تجب في عينه لا في قيمته ، ألا ترى أنه لو كان وزن الحلي مائة وقيمته لصنعته مائتان لم تجب فيه الزكاة : لأن وزنه لم يبلغ نصابا ، وإن بلغت قيمته نصابا ، وإذا وجبت زكاة الحلي في عينه لم يجب اعتبار قيمته ، ولأن زيادة القيمة في مقابلة الصنعة ، وليست الصنعة عينا تجب فيها الزكاة ، فلم يجز اعتبارها ولأنه لو وجب اعتبار الصنعة لوجب المطالبة بزكاة جميع القيمة حتى إذا كان وزنه ألفا وقيمته ألفا طولب بزكاة ألفين ، فإن قال أبو العباس : لست أجعل الصنعة عينا وإنما أجعلها من صفات العين ، وأجعل الزكاة في العين على مثل تلك الصنعة ، كما أقول في الدنانير المضروبة تجب الزكاة في عينها على مثل صفتها وضربها ، فإن دفع ذهبا خالصا غير مضروب مثل ذهب الدنانير المضروبة لم يجز ، فكذا في الحلي المصوغ تجب زكاته في عينه على مثل صفته في صنعته ، فإن دفع مثل جنسه غير مصوغ لم يجز ، قيل له : الفرق بينهما ، أن ضرب الدنانير وطبعها أقيم مقام صفات الجنس من الجودة والرداءة : لجواز ثبوته في الذمة ، كثبوت ضمان الجنس فوجب اعتباره في الزكاة ، كما وجب اعتبار صفات الجنس ، وليست صفة الحلي جارية مجرى صفات الجنس : لأنه لا يصح ثبوتها في الذمة فلم يجز اعتبارها في الزكاة ، يوضح ما ذكرت أن من أتلف على غيره دنانير مضروبة لزمه مثلها ولو أتلف حليا مصوغا لم يلزمه مثله مصوغا ، على أن أبا العباس يجيز أخذ القيمة في زكاة الحلي ويمنع منها في زكاة الدنانير ، فخالف المذهب في جواز أخذ القيم ، وفرق بينهما من حيث جمع فلا بالمذهب أخذ ولا للحجاج انقاد ، فإذا وضح ما ذكرنا فلا اعتبار بصفته ولا معول على قيمته ويزكيه على وزنه إما منه أو من غيره .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية