الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          الوصف الرابع: العفة والمحافظة على النسل؛ وهذا ما عبر الله (تعالى) عنه بقوله: والذين هم لفروجهم حافظون ؛ إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين ؛

                                                          " الفروج " ؛ جمع " فرج " ؛ وهو عضو التناسل عند الرجل وعند المرأة؛ واللام لتقوية التعدية؛ بسبب تقدم الفروج على اسم الفاعل " حافظ " ؛ وحفظ الفروج يتضمن ثلاثة معان؛ أولها معنى الصيانة؛ فهو يصونها عن رجس الحرام؛ ورجس الحرام معنوي ومادي؛ أما المعنوي فهو ما في الحرام من خبث يطهر نفسه منه؛ وأما المادي فهو يكون في الزنا من تعرض لأمراض خبيثة؛ هي التي جاءت من الأوربيين؛ والتي يسمى بعضها المرض الإفرنجي؛ ولا مانع من أن نشير إليها عند تفسير الآية؛ وإن لم تكن معروفة؛ ولكنها عرفت؛ فمنزل القرآن هو علام الغيوب.

                                                          ثانيها الاستمساك والتحفظ بالعفة؛ وألا يرمي ماءه في غير محله؛ وليحفظ له نسبه. [ ص: 5047 ] ثالثها التقيد؛ أي: ليسوا منطلقين؛ يلقونها في أي مكان؛ وعلى أي امرأة؛ كل ينزو كما تنزو القردة؛ وكالحمار ينزو على كل أتان؛ والحفظ عن كل النساء؛ وفي كل الأحوال.

                                                          إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم ؛ ولتضمن الحفظ معنى الاستمساك والصيانة؛ كانت الإباحة متعدية بـ " على " ؛ في المستثنى إلا على أزواجهم ؛ لا يرسل نفسه إلا على زوجه؛ أو ما ملكت يمينه؛ أي أنه مرسل على زوجه أو ما ملكت يمينه؛ وأن التعدية بـ " على " ؛ جار مجرى قولهم: " فلانة تحت فلان " ؛ أو " فلان تحته فلانة " ؛ وربما يكون التعبير مأخوذا من الواقع الحسي؛ وفي التعدية بـ " على " ؛ إشارة إلى الحقيقة الإسلامية: الرجال قوامون على النساء

                                                          ويصح أن يكون الاستثناء منقطعا؛ ويكون المعنى وصفهم بأنهم يحافظون على فروجهم في كل الأحوال؛ وباستمرار؛ ولكن على أزواجهم وما ملكت أيمانهم؛ فإنهم غير ملومين؛ ولا يمنع ذلك من جواز أن يكون متصلا.

                                                          وقوله (تعالى): فإنهم غير ملومين ؛ الفاء للإفصاح؛ لأنها تفصح في شرط مقدر؛ مأخوذ من الكلام؛ أي: فإذا كان ذلك على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم؛ فإنهم غير ملومين؛ أي: ليس حراما؛ وفي التعبير بقوله (تعالى): غير ملومين ؛ إشارة إلى أن عدم المحافظة؛ والانطلاق؛ موضع لوم في ذاته؛ مع تحريمه; لأنه لا يليق بأهل العقل والحكمة والفضيلة.

                                                          والوطء بملك اليمين حلال; لأن فيه تكريما للأمة؛ وإعلاء لمنزلتها؛ كالزوجة؛ وذريعة لعتقها؛ ومنع بيعها; لأنها إذا صارت أم ولد حرم بيعها؛ وإذا ولدت عتقت.

                                                          وإن من سار في غير ذلك وراء شهوته فهو المعتدي؛

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية