الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          249 - فصل

                          قالوا : " ولا نتكلم بكلامهم " .

                          هذا الشرط في أهل الكتاب الذي لغتهم غير لغة العرب كنصارى الشام والجزيرة إذ ذاك وغيرهما من البلاد دون نصارى العرب الذين لم تكن لغتهم غير العربية ، فمنعهم عمر من التكلم بكلام العرب لئلا يتشبهوا بهم في كلامهم كما منعوا من التشبه بهم في زيهم ولباسهم ومراكبهم وهيئات شعورهم ، فألزمهم التكلم بلسانهم ليعرفوا حين التكلم أنهم كفار ، فيكون هذا من كمال التميز مع ما في ذلك من تعظيم كلام العرب ولغتهم ، حيث لم يسلط عليها الأنجاس والأخابث يتبذلونها ويتكلمون بها ، كيف وقد أنزل الله بها أشرف كتبه ومدحه بلسان عربي ؟ !

                          [ ص: 1314 ] وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم : أن " لسان أهل الجنة عربي " . فصان أمير المؤمنين هذا اللسان عن أهل الجحيم وغار عليه أن يتكلموا به ، وهذا من كمال تعظيمه للإسلام والقرآن والعرب الذين نزل القرآن بلغتهم ، وبعث الله رسوله من أنفسهم مع ما في تمكينهم من التكلم بها من المفاسد التي منها جدلهم فيها واستطالتهم على المسلمين ، كما سبق أن وقع لابن البيع لما حذق في العربية وكان مجوسيا فطفق يغمص الإسلام وأهله ، ثم لما خالف المسلمين أظهر الإسلام ، كالصابئ الكاتب الذي علا المسلمين في كتابته وترسله ثم هجا العرب في قصيدة له مشهورة ومدح عباد الكواكب من الصابئة والمجوس .

                          ونظائرهما كثير ، فلو لم يكن في تعلم الكفار العربية إلا هذه المفسدة وحدها لكان ينبغي أن يمنعوا منها لأجلها .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية