الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ عوي ]

                                                          عوي : العوي : الذئب . عوى الكلب والذئب يعوي عيا وعواء وعوة وعوية ، كلاهما نادر : لوى خطمه ثم صوت ، وقيل : مد صوته ولم يفصح . واعتوى : كعوى ؛ قال جرير :


                                                          ألا إنما العكلي كلب فقل له إذا ما اعتوى إخسأ وألق له عرقا



                                                          وكذلك الأسد . الأزهري : عوت الكلاب والسباع تعوي عواء ، وهو صوت تمده وليس بنبح ، وقال أبو الجراح : الذئب يعوي ؛ وأنشدني أعرابي :


                                                          هذا أحق منزل بالترك     الذئب يعوي والغراب يبكي



                                                          وقال الجوهري : عوى الكلب والذئب وابن آوى يعوي عواء صاح . وهو يعاوي الكلاب أي : يصايحها . قال ابن بري : الأعلم العواء في الكلاب لا يكون إلا عند السفاد . يقال : عاوت الكلاب إذا استحرمت ، فإن لم يكن للسفاد فهو النباح لا غير ؛ قال وعلى ذلك قوله :


                                                          جزى ربه عني عدي بن حاتم     جزاء الكلاب العاويات وقد فعل



                                                          وفي حديث حارثة : كأني أسمع عواء أهل النار أي : صياحهم . قال ابن الأثير : العواء صوت السباع ، وكأنه بالذئب والكلب أخص . والعوة : الصوت ، نادر . والعواء - ممدود : الكلب يعوي كثيرا . وكلب عواء : كثير العواء . وفي الدعاء عليه : عليه العفاء والكلب العواء . والمعاوية : الكلبة المستحرمة تعوي إلى الكلاب إذا صرفت ويعوين ، وقد تعاوت الكلاب . وعاوت الكلاب الكلبة : نابحتها . ومعاوية : اسم ، وهو منه ، وتصغير معاوية معية ؛ هذا قول أهل البصرة ، لأن كل اسم اجتمع فيه ثلاث ياءات أولاهن ياء التصغير حذفت واحدة منهن ، فإن لم تكن أولاهن ياء التصغير لم يحذف منه شيء ، تقول في تصغير مية ميية ، وأما أهل الكوفة فلا يحذفون منه شيئا يقولون في تصغير معاوية : معيية ، على قول من قال أسيد ، ومعيوة ، على قول من يقول أسيود ؛ قال ابن بري : تصغير معاوية - عند البصريين - معيوية على لغة من يقول في أسود أسيود ، ومعية على قول من يقول أسيد ، ومعيية على لغة من يقول في أحوى أحيي ، قال : وهو مذهب أبي عمرو بن العلاء ، قال : وقول الجوهري ومعيوة على قول من يقول أسيود غلط ، وصوابه كما قلنا ، ولا يجوز معيوة كما لا يجوز جريوة في تصغير جروة ، وإنما يجوز جرية .

                                                          وفي المثل : لو لك أعوي ما عويت ؛ وأصله أن الرجل كان إذا أمسى بالقفر عوى ليسمع الكلاب ، فإن كان قربه أنيس أجابته الكلاب فاستدل بعوائها ، فعوى هذا الرجل فجاءه الذئب فقال : لو لك أعوي ما عويت ، وحكاه الأزهري . ومن أمثالهم في المستغيث بمن لا يغيثه قولهم : لو لك عويت لم أعوه ؛ قال : وأصله الرجل يبيت بالبلد القفر فيستنبح الكلاب بعوائه ليستدل بنباحها على الحي ، وذلك أن رجلا بات بالقفر فاستنبح فأتاه ذئب فقال : لو لك عويت لم أعوه ، قال : ويقال للرجل إذا دعا قوما إلى الفتنة ، عوى قوما فاستعووا ، وروى الأزهري عن الفراء أنه قال : هو يستعوي القوم ويستغويهم أي : يستغيث بهم . ويقال : تعاوى بنو فلان على فلان وتغاووا عليه إذا تجمعوا عليه ، بالعين والغين . ويقال : استعوى فلان جماعة إذا نعق بهم إلى الفتنة . ويقال للرجل الحازم الجلد : ما ينهى ، ولا يعوى . وما له عاو ولا نابح أي : ما له غنم يعوي فيها الذئب وينبح دونها الكلب ، وربما سمي رغاء الفصيل عواء إذا ضعف ؛ قال :


                                                          بها الذئب محزونا كأن عواءه     عواء فصيل آخر الليل محثل



                                                          [ ص: 346 ] وعوى الشيء عيا واعتواه : عطفه ؛ قال :


                                                          فلما جرى أدركنه فاعتوينه     عن الغاية الكرمى وهن قعود



                                                          وعوى القوس : عطفها . وعوى رأس الناقة فانعوى : عاجه . وعوت الناقة البرة عيا إذا لوتها بخطمها ؛ قال رؤبة :


                                                          إذا مطونا نقضة أو نقضا     تعوي البرى مستوفضات وفضا



                                                          وعوى القوم صدور ركابهم وعووها إذا عطفوها . وفي الحديث : أن أنيفا سأله عن نحر الإبل فأمره أن يعوي رءوسها أي : يعطفها إلى أحد شقيها لتبرز اللبة ، وهي المنحر . والعي : اللي والعطف . قال الجوهري : وعويت الشعر والحبل عيا وعويته تعوية لويته ؛ قال الشاعر :


                                                          وكأنها لما عويت قرونها     أدماء ساوقها أغر نجيب



                                                          واستعويته أنا إذا طلبت منه ذلك . وكل ما عطف من حبل ونحوه فقد عواه عيا ، وقيل : العي أشد من اللي . الأزهري : عويت الحبل إذا لويته ، والمصدر العي . والعي في كل شيء : اللي . وعفت يده وعواها إذا لواها . وقال أبو العميثل : عويت الشيء عيا إذا أملته . وقال الفراء : عويت العمامة عية ولويتها لية . وعوى الرجل : بلغ الثلاثين فقويت يده فعوى يد غيره أي : لواها ليا شديدا . وفي حديث المسلم قاتل المشرك الذي سب النبي - صلى الله عليه وسلم : فتعاوى المشركون عليه حتى قتلوه أي : تعاونوا وتساعدوا ، ويروى بالغين المعجمة وهو بمعناه . الأزهري : العوا اسم نجم - مقصور - يكتب بالألف ، قال : وهي مؤنثة من أنواء البرد ؛ قال ساجع العرب : إذا طلعت العواء وجثم الشتاء طاب الصلاء ؛ وقال ابن كناسة : هي أربعة كواكب ثلاثة مثفاة متفرقة ، والرابع قريب منها كأنه من الناحية الشامية ، وبه سميت العواء كأنه يعوي إليها من عواء الذئب ، قال : وهو من قولك عويت الثوب إذا لويته كأنه يعوي لما انفرد . قال : والعواء في الحساب يمانية ، وجاءت مؤنثة عن العرب ، قال : ومنهم من يقول : أول اليمانية السماك الرامح ، ولا يجعل العواء يمانية للكوكب الفرد الذي في الناحية الشامية . وقال أبو زيد : العواء ممدودة ، والجوزاء ممدودة ، والشعرى مقصور . وقال شمر : العواء خمسة كواكب كأنها كتابة ألف أعلاها أخفاها ، ويقال : كأنها نون ، وتدعى وركي الأسد وعرقوب الأسد ، والعرب لا تكثر ذكر نوئها لأن السماك قد استغرقها ، وهو أشهر منها ، وطلوعها لاثنتين وعشرين ليلة من أيلول ، وسقوطها لاثنتين وعشرين ليلة تخلو من أذار ؛ وقال الحصيني في قصيدته التي يذكر فيها المنازل :


                                                          وانتثرت عواؤه تناثر العقد انقطع



                                                          ومن سجعهم فيها : إذا طلعت العواء ضرب الخباء وطاب الهواء وكره العراء وشثن السقاء . قال الأزهري : من قصر العوا شبهها باست الكلب ، ومن مدها جعلها تعوي كما يعوي الكلب ، والقصر فيها أكثر . قال ابن سيده : العواء منزل من منازل القمر يمد ويقصر ، والألف في آخره للتأنيث بمنزلة ألف بشرى وحبلى ، وعينها ولامها واوان في اللفظ كما ترى ، ألا ترى أن الواو الآخرة التي هي لام بدل من ياء ، وأصلها عويا وهي فعلى من عويت ؟ قال ابن جني : قال لي أبو علي إنما قيل العوا لأنها كواكب ملتوية ، قال : وهي من عويت يده أي : لويتها ، فإن قيل : فإذا كان أصلها عويا وقد اجتمعت الواو والياء وسبقت الأولى بالسكون ، وهذه حال توجب قلب الواو ياء وليست تقتضي قلب الياء واوا ، ألا تراهم قالوا طويت طيا وشويت شيا ، وأصلهما طويا وشويا ، فقلبت الواو ياء ، فهلا إذ كان أصل العوا عويا قالوا عيا فقلبوا الواو ياء كما قلبوها في طويت طيا وشويت شيا ؟ فالجواب أن فعلى إذا كانت اسما لا وصفا ، وكانت لامها ياء ، قلبت ياؤها واوا ، وذلك نحو التقوى أصلها وقيا ، لأنها فعلى من وقيت ، والثنوى وهي فعلى من ثنيت ، والبقوى وهي فعلى من بقيت ، والرعوى وهي فعلى من رعبت ، فكذلك العوى فعلى من عويت ، وهي مع ذلك اسم لا صفة بمنزلة البقوى والتقوى والفتوى ، فقلبت الياء التي هي لام واوا ، وقبلها العين التي هي واو ، فالتقت واوان الأولى ساكنة فأدغمت في الآخرة فصارت عوا كما ترى ، ولو كانت فعلى صفة لما قلبت ياؤها واوا ، ولبقيت بحالها نحو الخزيا والصديا ، ولو كانت قبل هذه الياء واو لقلبت الواو ياء كما يجب في الواو والياء إذا التقتا وسكن الأول منهما ، وذلك نحو قولهم امرأة طيا وريا ، وأصلهما طويا ورويا ، لأنهما من طويت ورويت ، فقلبت الواو منهما ياء وأدغمت في الياء بعدها فصارت طيا وريا ، ولو كانت ريا اسما لوجب أن يقال روى وحالها كحال العوا ، قال : وقد حكي عنهم العواء - بالمد - في هذا المنزل من منازل القمر ؛ قال ابن سيده : والقول عندي في ذلك أنه زاد للمد الفاصل ألف التأنيث التي في العواء ، فصار في التقدير مثال العوا ألفين ، كما ترى ، ساكنين ، فقلبت الآخرة التي هي علم التأنيث همزة لما تحركت لالتقاء الساكنين ، والقول فيها القول في حمراء وصحراء وصلفاء وخبراء ، فإن قيل : فلما نقلت من فعلى إلى فعلاء فزال القصر عنها هلا ردت إلى القياس فقلبت الواو ياء لزوال وزن فعلى المقصورة ، كما يقال رجل ألوى وامرأة لياء ، فهلا قالوا على هذا العياء ؟ فالجواب أنهم لم يبنوا الكلمة على أنها ممدودة البتة ، ولو أرادوا ذلك لقالوا : العياء فمدوا ، وأصله العوياء كما قالوا : امرأة لياء ، وأصلها لوياء ، ولكنهم إنما أرادوا القصر الذي في العوا ، ثم إنهم اضطروا إلى المد في بعض المواضع ضرورة ، فبقوا الكلمة بحالها الأولى من قلب الياء التي هي لام واوا ، وكان تركهم القلب بحاله أدل شيء على أنهم لم يعتزموا المد البتة ، وأنهم إنما اضطروا إليه فركبوه ، وهم حينئذ للقصر ناوون وبه معنيون ؛ قال الفرزدق :


                                                          فلو بلغت عوا السماك قبيلة     لزادت عليها نهشل وتعلت



                                                          ونسبه ابن بري إلى الحطيئة . الأزهري : والعواء الناب من الإبل ممدودة ، وقيل : هي في لغة هذيل الناب الكبيرة التي لا سنام لها ؛ وأنشد :

                                                          [ ص: 347 ]

                                                          وكانوا السنام اجتث أمس ، فقومهم     كعواء بعد الني غاب ربيعها



                                                          وعواه عن الشيء عيا : صرفه . وعوى عن الرجل : كذب عنه ورد على مغتابه . وأعواء : موضع ؛ قال عبد مناف بن ربع الهذلي :


                                                          ألا رب داع لا يجاب ومدع     بساحة أعواء وناج موائل



                                                          الجوهري : العواء سافلة الإنسان ، وقد تقصر . ابن سيده : العوا والعوى والعواء والعوة كله الدبر . والعوة : علم من حجارة ينصب على غلظ الأرض . والعوة : الضوة . وعوعى عوعاة : زجر الضأن . الليث : العوا والعوة لغتان وهي الدبر ؛ وأنشد :


                                                          قياما يوارون عواتهم     بشتمي وعواتهم أظهر



                                                          وقال الآخر في العوا بمعنى العوة :


                                                          فهلا شددت العقد أو بت طاويا     ولم تفرج العوا كما تفرج القلب



                                                          والعوة والضوة : الصوت والجلبة . يقال : سمعت عوة القوم وضوتهم أي : أصواتهم وجلبتهم ، والعو جمع عوة ، وهي أم سويد . وقال الليث : عا - مقصور - زجر للضئين ، وربما قالوا عو وعاء وعاي ، كل ذلك يقال ، والفعل منه عاعى يعاعي معاعاة وعاعاة . ويقال أيضا : عوعى يعوعي عوعاة وعيعى يعيعي عيعاة وعيعاء ؛ وأنشد :


                                                          وإن ثيابي من ثياب محرق     ولم أستعرها من معاع وناعق



                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية