الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (253) قوله تعالى: فضلنا بعضهم : يجوز أن يكون حالا من المشار إليه، والعامل معنى الإشارة كما تقدم، ويجوز أن يكون مستأنفا، ويجوز أن يكون خبر "تلك" على أن يكون "الرسل" نعتا لـ "تلك" أو عطف بيان أو بدلا.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 536 ] قوله: "منهم من كلم الله" هذه الجملة تحتمل وجهين، أحدهما: أن تكون لا محل لها من الإعراب لاستئنافها. والثاني: أنها بدل من جملة قوله "فضلنا". والجمهور على رفع الجلالة على أنه فاعل، والمفعول محذوف وهو عائد الموصول أي: من كلمه الله. وقرئ بالنصب على أن الفاعل ضمير مستتر وهو عائد الموصول أيضا، والجلالة نصب على التعظيم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ أبو المتوكل وابن السميفع: "كالم الله" على وزن فاعل ونصب الجلالة، و "كليم" على هذا معنى مكالم نحو: جليس بمعنى مجالس، وخليط بمعنى مخالط. وفي هذا الكلام التفات لأنه خروج من ضمير المتكلم المعظم نفسه في قوله: "فضلنا" إلى الاسم الظاهر الذي هو في حكم الغائب.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "درجات" في نصبه ستة أوجه، أحدها أنه مصدر واقع موقع الحال. الثاني: أنه حال على حذف مضاف، أي: ذوي درجات. الثالث: أنه مفعول ثان لـ "رفع" على أنه ضمن معنى بلغ بعضهم درجات. الرابع: أنه بدل اشتمال أي: رفع درجات بعضهم، والمعنى: على درجات بعض. الخامس: أنه مصدر على معنى الفعل لا لفظه، لأن الدرجة بمعنى الرفعة، فكأنه قيل: ورفع بعضهم رفعات. السادس: أنه على إسقاط الخافض، وذلك الخافض يحتمل أن يكون "على" أو "في" أو "إلى" تقديره: على درجات أو في درجات أو إلى درجات، فلما حذف حرف الجر انتصب ما بعده.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 537 ] قوله: "ولو شاء الله" مفعوله محذوف، فقيل: تقديره: أن لا تختلفوا وقيل: أن لا تفشلوا، وقيل: أن لا تؤمروا بالقتال، وقيل: أن يضطرهم إلى الإيمان، وكلها متقاربة.

                                                                                                                                                                                                                                      و "من بعدهم" متعلق بمحذوف لأنه صلة، والضمير يعود على الرسل. و "من بعد ما جاءتهم" فيه قولان، أحدهما: أنه بدل من قوله: "من بعدهم" بإعادة العامل. والثاني: أنه متعلق باقتتل، إذ في البينات - وهي الدلالات الواضحة - ما يغني عن التقاتل والاختلاف. والضمير في "جاءتهم" يعود على الذين من بعدهم، وهم أمم الأنبياء.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "ولكن اختلفوا" وجه هذا الاستدراك واضح، فإن "لكن" واقعة بين ضدين، إذ المعنى: ولو شاء الله الاتفاق لاتفقوا ولكن شاء الاختلاف فاختلفوا. وقال أبو البقاء: "لكن" استدراك لما دل الكلام عليه، لأن اقتتالهم كان لاختلافهم، ثم بين الاختلاف بقوله: "فمنهم من آمن ومنهم من كفر" فلا محل حينئذ لقوله: "فمنهم من آمن".

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: "ولو شاء الله ما اقتتلوا" فيه قولان، أحدهما: أنها الجملة الأولى كررت تأكيدا قاله الزمخشري. والثاني: أنها ليست لتأكيد الأولى، بل أفادت فائدة جديدة، والمغايرة حصلت بتغاير متعلقهما، فإن متعلق الأولى مغاير لمتعلق المشيئة الثانية، والتقدير في الأولى: "ولو شاء الله أن يحول بينهم وبين القتال بأن يسلبهم القوى والعقول، وفي الثاني: ولو شاء لم يأمر المؤمنين بالقتال، ولكن شاء أمرهم بذلك. وقوله: "ولكن الله يفعل ما يريد" هذا استدراك أيضا على المعنى، لأن المعنى: ولو شاء الله لمنعهم [ ص: 538 ] [من ذلك]، ولكن الله يفعل ما يريد من عدم منعهم من ذلك أو يفعل ما يريد من اختلافهم.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية