الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (262) قوله تعالى: الذين ينفقون : فيه وجهان، أحدهما: أن يكون مرفوعا بالابتداء وخبره الجملة من قوله: "لهم أجرهم"، ولم يضمن المبتدأ هنا معنى الشرط فلذلك لم تدخل الفاء في خبره، لأن القصد بهذه [ ص: 583 ] الجملة التفسير للجملة قبلها، لأن الجملة قبلها أخرجت مخرج الشيء الثابت المفروغ منه، وهو تشبيه نفقتهم بالحبة المذكورة، فجاءت هذه الجملة كذلك، والخبر فيها أخرج مخرج الثابت المستقر غير المحتاج إلى تعليق استحقاق بوقوع غيره ما قبله.

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أن "الذين" خبر لمبتدأ محذوف أي: هم الذين ينفقون، وفي قوله: "لهم أجرهم" على هذا وجهان، أحدهما: أنها في محل نصب على الحال. والثاني: - وهو الأولى - أن تكون مستأنفة لا محل لها من الإعراب، كأنها جواب سائل قال: هل لهم أجر؟ وعطف بـ "ثم" جريا على الأغلب، لأن المتصدق لغير وجه الله لا يحصل منه المن عقيب صدقته ولا يؤذي على الفور، فجرى هذا على الغالب، وإن كان حكم المن والأذى الواقعين عقيب الصدقة كذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الزمخشري: "ومعنى" ثم" إظهار التفاوت بين الإنفاق وترك المن والأذى، وأن تركهما خير من نفس الإنفاق، كما جعل الاستقامة على الإيمان خيرا من الدخول فيه بقوله: "ثم استقاموا"، فجعلها للتراخي في الرتبة لا في الزمان، وقد تكرر له ذلك غير مرة.

                                                                                                                                                                                                                                      و "ما" من قوله: "ما أنفقوا" يجوز أن تكون موصولة اسمية فالعائد محذوف، أي: ما أنفقوه، وأن تكون مصدرية فلا تحتاج إلى عائد، أي: [ ص: 584 ] لا يتبعون إنفاقهم. ولا بد من حذف بعد "منا" أي: منا على المنفق عليه ولا أذى له، فحذف للدلالة.

                                                                                                                                                                                                                                      والمن: الاعتداد بالإحسان، وهو في الأصل: القطع، ولذلك يطلق على النعمة، لأن المنعم يقطع من ماله قطعة للمنعم عليه. والمن: النقص من الحق، والمن: الذي يوزن به، ويقال في هذا "منا" مثل: عصا. وتقدم اشتقاق الأذى.

                                                                                                                                                                                                                                      و"منا" مفعول ثان، و "لا أذى" عطف عليه، وأبعد من جعل "ولا أذى" مستأنفا، فجعله من صفات المتصدق، كأنه قال: الذين ينفقون ولا يتأذون بالإنفاق، فيكون "أذى" اسم لا وخبرها محذوف، أي: ولا أذى حاصل لهم، فهي جملة منفية في معنى النهي، وهذا تكلف، وحق هذا القائل أن يقرأ "ولا أذى" بالألف غير منون، لأنه مبني على الفتح على مشهور مذهب النحاة.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية