الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
468 [ 277 ] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمد، أخبرني عبد الله بن محمد بن عقيل، عن الطفيل بن أبي بن كعب، عن أبيه قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي إلى جذع إذ كان المسجد عريشا وكان يخطب إلى ذلك الجذع فقال رجل من أصحابه: يا رسول الله، هل لك أن نجعل لك منبرا تقوم عليه يوم الجمعة ويستمع الناس يوم الجمعة خطبتك؟

قال: "نعم" فصنع له ثلاث درجات هي اللاتي على المنبر، فلما صنع المنبر ووضع موضعه الذي وضعه فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بدا للنبي - صلى الله عليه وسلم - أن يقوم على ذلك المنبر فيخطب عليه (فمر إليه خار) حتى تصدع [ ص: 506 ] وانشق، فنزل النبي - صلى الله عليه وسلم - لما سمع صوت الجذع فمسحه بيده ثم رجع إلى المنبر، فلما هدم المسجد أخذ ذلك الجذع أبي بن كعب فكان عنده في بيته حتى بلي فأكلته الأرضة وعاد رفاتا.


التالي السابق


الشرح

الطفيل: هو ابن أبي بن كعب بن المنذر، ويقال: ابن كعب بن قيس بن عبيد بن يزيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار النجاري الأنصاري. روى عن: أبيه، وعن ابن عمر.

وروى عنه: عبد الله بن محمد بن عقيل.

وأبوه أبي بن كعب سيد القراء أبو المنذر، ويقال: أبو الطفيل.

سمع: النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويقال: أنه شهد بدرا.

وروى عنه: أبو أيوب الأنصاري، وأبو موسى الأشعري، وابن عباس، وأبو عثمان النهدي، وزر بن حبيش، وسويد بن غفلة.

مات سنة اثنتين وعشرين وقيل: غيره.

والقصة صحيحة تشتمل عليها أصول الكتب، والبخاري أخرجها من رواية جابر وابن عمر.

وقوله: كحنين الناقة في بعض الروايات: سمعنا للجذع مثل أصوات العشار وفي رواية أبي خار حتى تصدع، وصوت الناقة ضعيف في الغالب والخوار أقوى، فلعله كان ضعيفا ثم قوي حتى انشق [ ص: 507 ] الجذع فعبر بعضهم عن الابتداء وبعضهم عن الانتهاء.

وفيه دلالة ظاهرة على صدق النبي صلى الله عليه وسلم وعظم قدره، وفي نزوله ومبادرته إلى تسكين السارية دلالة على حسن خلقه ورأفته، ورجاء للأمة في قيامه بأمرهم وشفاعته لهم إذا عظمت الأهوال في القيامة.

وقوله: كان يصلي إلى جذع إذ كان المسجد عريشا وكان يخطب إلى ذلك الجذع معناه: أنه كان يصلي مستقبلا لذلك الجذع ويخطب مستدبرا، ومعنى كونه عريشا كونه مظللا بجريد ونحوه غير مسقف.

وفي القصة دلالة على جواز الاستناد للخطبة؛ لأنه قال: كان إذا خطب استسند إلى جذع نخلة وكذا الحكم في الصلاة لا بأس بالاستناد بعد حصول الانتصاب على وجه ظاهر للأصحاب، وعلى أنه ينبغي للخطيب أن يخطب على المنبر ولو خطب على الأرض جاز، وعلى أنه إذا نزل عن المنبر وعاد لحاجة تدعو إليه فلا بأس، وأما أخذ أبي الجذع وحفظه في البيت فلعل سببه خروجه عن أن ينتفع به جذعا، وربما أثر فيه تصدعه وانشقاقه فكان أبي - رضي الله عنه - يحفظه ويتذكر به الآية التي ظهرت فيه.




الخدمات العلمية