الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      تنبيهات

                                                      [ هل يخص الحديث بقول راويه من غير الصحابة ]

                                                      الأول : زعم القرافي أن صورة المسألة فيما إذا كان الراوي صحابيا ، لأنه يحتمل أنه شاهد من النبي عليه السلام خلاف ما رواه ، فحمله على ذلك . أما غير الصحابي فلا يتأتى فيه خلاف في أن فعله لا يكون حجة على روايته . ا هـ . وغره في ذلك بناؤهم هذه المسألة على الخلاف في أن قوله حجة أم لا ؟ وهذا إنما يكون في الصحابي ، لكن الخلاف في التخصيص بقول الراوي لا يختص بالصحابي ، بل ولا بصورة التخصيص ; بل الراوي [ ص: 534 ] مطلقا من الصحابي ومن بعده ، إذا خالف الخبر بتخصيص أو بغيره ، حتى إذا تركه بالكلية كان مذهبه عند الحنفية مقدما على الخبر ، ولذلك لم يقيد الإمام في المحصول " بالراوي الصحابي ، بل أطلق . ولكن قيد المخالفة بحالة التخصيص ، ولا تتقيد بذلك عندهم .

                                                      وصرح إمام الحرمين في البرهان " بما ذكرناه ، فقال : وكل ما ذكرناه يعني في هذه المسألة غير مختص بالصحابي فلو روى بعض الأئمة حديثا ، وعمل بخلافه فالأمر على ما فصلناه ، ولكن قد اعترض الأئمة أمور أسقطت آثار أفعالهم المخالفة لروايتهم ، وهذا كرواية أبي حنيفة خيار المجلس مع مصيره إلى مخالفته ، فهذه المخالفة غير قادحة في الرواية ، لأنه ثبت من أصله تقديم الرأي على الخبر ، فمخالفته محمولة على بنائه على هذا الأصل الفاسد ، ولهذا قال : أرأيت لو كانا في سفينة ؟ وكرواية مالك لهذا الحديث مع مصيره إلى نفي خيار المجلس ، وهذه المخالفة أيضا لا تقدح في الرواية ، لأن الذي حمله على هذا فيما أظن تقديمه عمل أهل المدينة على الأخبار الصحيحة ، وقد حكاه عنه ابن القشيري في كتابه هكذا .

                                                      ثم قال : ولا ينبغي تخصيص المسألة بالراوي يروي ، ثم يخالف ، بل يجري فيمن بلغه خبر عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم يخالفه ، وإن لم يكن هو الراوي لذلك الخبر ، حتى إذا وجدنا محملا ، وقلنا : إنما خالف لأنه اتهم الراوي ، فلا يقدح هذا في الخبر ، وإن لم يتجه وجه لمخالفته هذا الحديث إلا المصير إلى استخفافه بالخبر فحينئذ يتعين أن يقال : هذا قدح في الخبر ، وعلم بضعفه . ا هـ .

                                                      واعلم أن عبارات الحنفية في تقديم قول الراوي مطلقة ، فلم يفرقوا بين [ ص: 535 ] الصحابي وغيره من التابعين ، وتعقب بعض المتأخرين منهم ، فقال : ينبغي أن يعلم أولا أن مذهب الصحابي هل تقدم على سماعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فإن كان قوله قبل سماعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلا يتأتى هذا الحديث ، والحق مع الشافعية . وإن كان رأيه بعد روايته اتجه قاله الحنفية . ا هـ . والخلاف إنما هو في القسم الأخير ، وما ذكروه من الدليل ممنوع ، لأنه يتوقف على معرفة التاريخ ، وهي مفقودة . وهذا البحث يقتضي تخصيص المسألة بالصحابي

                                                      ومثال تخصيص الراوي غير الصحابي حديث سعيد بن المسيب ، عن معمر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لا يحتكر إلا خاطئ } أخرجه مسلم . وفيه : وكان سعيد بن المسيب يحتكر ، فقيل له فقال : كان معمر يحتكر . قال ابن عبد البر : كانا يحتكران الزيت ، وحملا الحديث على احتكار القوت عند الحاجة إليه ، والغلاء ، وعليه جرى الشافعي ، لكنه خصص بقول الصحابي ، لا بقول سعيد . نعم ، قال الرافعي في " الشهادات " : إنما اختص القضاء بالشاهد واليمين بالأموال ، لأن عمرو بن دينار روى الخبر عن ابن عباس ولما رواه قال : وذلك في الأموال . وقول الراوي متبع في تفسير ما يرويه وتخصيصه . انتهى .

                                                      الثاني : ما ذكرنا من التفصيل بين أن يكون هو الراوي أو غيره ، وأنه إذا كان غيره وانتشر ، ولم يخالف ، خص به هو الصواب . وهذه الصورة واردة على من أطلق الكلام في هذه المسألة كالآمدي وغيره ، فإنه صرح بأنه لا تخصيص ، سواء كان هو الراوي أو غيره خلافا للحنفية والحنابلة ، وتبعه ابن الحاجب . [ ص: 536 ]

                                                      الثالث : إن عمل الراوي بخلاف الحديث ، ينقسم إلى أقسام أخرى سيأتي في باب الأخبار بيانها إن شاء الله تعالى .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية