الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وحدثني عن مالك عن خبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن أبي هريرة أو عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ومنبري على حوضي

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          462 464 - ( مالك ، عن خبيب ) بضم الخاء المعجمة وموحدتين مصغر ( ابن عبد الرحمن ) بن خبيب بن يساف الأنصاري أبي الحارث المدني ، ثقة ، مات سنة اثنين وثلاثين ومائة .

                                                                                                          ( عن حفص بن عاصم ) بن عمر بن الخطاب العمري من الثقات ( عن أبي هريرة أو عن أبي سعيد الخدري ) قال ابن عبد البر : كذا لرواة الموطأ بالشك إلا معن بن عيسى وروح بن عبادة فقالا : عن أبي هريرة وأبي سعيد على الجمع لا الشك ، ورواه عبد الرحمن بن مهدي ، عن مالك فقال ، عن أبي هريرة وحده .

                                                                                                          ( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ما بين بيتي ) أي : قبري ( ومنبري ) لأنه روي ما بين قبري ، وقيل : بيت سكناه على ظاهره ، وهما متقاربان ؛ لأن قبره في بيته ، قال الحافظ : وعلى الأول المراد أحد بيوته لا كلها وهو بيت عائشة الذي صار فيه قبره .

                                                                                                          وللطبراني في الأوسط : ما بين المنبر وبيت عائشة .

                                                                                                          ورواية : ما بين قبري ومنبري أخرجها [ ص: 671 ] الطبراني ، عن ابن عمر والبزار برجال ثقات ، عن سعد بن أبي وقاص قال : ونقل ابن زبالة أن ذرع ما بين بيته ومنبره ثلاث وخمسون ذراعا ، وقيل : أربع وخمسون وسدس . وقيل : خمسون إلا ثلثي ذراع وهو الآن كذلك ، فكأنه نقص لما أدخل من الحجرة في الجدار . وقال القرطبي : الرواية الصحيحة بيتي ، ويروى " قبري " وكأنه بالمعنى ؛ لأنه دفن في بيت سكناه والموصول مبتدأ خبره قوله : ( روضة من رياض الجنة ) حقيقة بأن تكون مقتطعة منها كما أن الحجر الأسود والنيل والفرات وسيحان وجيحان من الجنة ، وكذا الثمار الهندية من الورق التي أهبط بها آدم منها ، فاقتضت الحكمة الإلهية أن يكون في الدنيا من مياه الجنة وترابها وفواكهها ليتدبر العاقل فيسارع إليها بالأعمال الصالحة ، أو أن تلك البقعة تنقل بينها يوم القيامة فتكون روضة من رياض الجنة ، أو من مجاز الأول أي : إن الملازم للطاعات فيها توصله للجنة كخبر : " الجنة تحت ظلال السيوف " ونظر فيه بأنه لا اختصاص لذلك بتلك البقعة على غيرها ، فالعبادة في أي مكان ، كذلك ورد بأنه سبب قوي يوصل إليها على وجه أتم من بقية الأسباب ، أو هي سبب لروضة خاصة أجل من مطلق الدخول والتنعم ، فأهل الجنة يتفاوتون في منازلها بقدر أعمالهم ، أو هو تشبيه بليغ ؛ أي : كروضة من رياضها في تنزل الرحمة وحصول السعادة ، ولا مانع من الجمع فهي من الجنة ، والعمل فيها يوجب لصاحبه روضة جليلة في الجنة ، وتنقل هي أيضا إلى الجنة ، قال الباجي : وإذا تأولنا أن اتباع ما يتلى فيها من القرآن والسنة يؤدي إلى الجنة لم يكن للبقعة فضيلة ، إذ لا تختص بذلك ، وإن قلنا ملازمتها بالطاعة يؤدي إلى رياض الجنة لفضل الصلاة فيه على غيره ، فهذا بين ؛ لأن الكلام خرج على تفضيل ذلك الموضع ، ولذا أدخله مالك في فضل الصلاة في المسجد النبوي ، قال مطرف : وهذه الفضيلة في النافلة أيضا .

                                                                                                          ( ومنبري على حوضي ) أي : ينقل المنبر الذي قال عليه هذه المقالة يوم القيامة ، فينصب على حوضه ، ثم تصير قوائمه رواتب في الجنة كما في حديث الطبراني .

                                                                                                          وفي رواية للنسائي بدل قوله : " على حوضي ومنبري " " على ترعة من ترع الجنة " ، والأصح أن المراد منبره الذي كان يخطب عليه في الدنيا ، وقيل التعبد عنده يورث الجنة فكأنه قطعة منها ، وقيل : منبر يوضع له هناك ، ورده الباجي بأنه ليس في الخبر ما يقتضيه ، وهو قطع للكلام عما قبله بلا ضرورة . وقال غيره : بل في رواية أحمد برجال الصحيح : " منبري هذا على ترعة من ترع الجنة " فاسم الإشارة ظاهر وصريح في أنه منبره في الدنيا ، والقدرة صالحة ، وهذا الحديث أخرجه البخاري في الاعتصام من طريق عبد الرحمن بن مهدي ، عن مالك به ، وتابعه عبيد الله بن عمر ، عن خبيب به في الصحيحين ، عن أبي هريرة وحده .




                                                                                                          الخدمات العلمية