الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
279 - حدثنا الحسن بن الصباح ، ومحمد بن رزق الله ، قالا : نا إسحاق بن إبراهيم ، عن أسامة بن زيد ، عن أبيه ، عن جده قال : قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - : " أتحبون أن أعلمكم ، أول إسلامي ؟ قال : قلنا : نعم ، قال : كنت أشد الناس على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبينا أنا في يوم شديد الحر في بعض طرق مكة إذ رآني رجل من قريش فقال : أين تذهب يا ابن الخطاب ؟ قلت : أريد هذا الرجل ، فقال : يا ابن الخطاب قد دخل عليك هذا الأمر في منزلك وأنت تقول هكذا ، فقلت : وما ذاك ؟ فقال : إن أختك قد ذهبت إليه ، قال : فرجعت مغتضبا حتى قرعت عليها الباب ، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أسلم [ ص: 401 ] بعض من لا شيء له ضم الرجل والرجلين إلى الرجل ينفق عليه قال : وكان ضم رجلين من أصحابه إلى زوج أختي ، قال : فقرعت الباب ، فقيل لي : من هذا ؟ قلت : أنا عمر بن الخطاب ، وقد كانوا يقرءون كتابا في أيديهم ، فلما سمعوا صوتي قاموا حتى اختبئوا في مكان وتركوا الكتاب ، فلما فتحت لي أختي الباب قلت : أيا عدوة نفسها أصبوت ؟ قال : وأرفع شيئا فأضرب به على رأسها ، فبكت المرأة وقالت لي : يا ابن الخطاب ، اصنع ما كنت صانعا فقد أسلمت ، فذهبت فجلست على السرير فإذا بصحيفة وسط الباب ، فقلت : ما هذه الصحيفة ها هنا ؟ فقالت لي : دعنا عنك يا ابن الخطاب فإنك لا تغتسل من الجنابة ، ولا تتطهر ، وهذا لا يمسه إلا المطهرون ، فما زلت بها حتى أعطتنيها فإذا فيها بسم الله الرحمن الرحيم فلما قرأت " الرحمن الرحيم " تذكرت من أين اشتق ، ثم رجعت إلى نفسي فقرأت في الصحيفة ( سبح لله ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم ) فكلما مررت باسم من أسماء الله ذكرت الله ، فألقيت الصحيفة من يدي ، قال : ثم أرجع إلى نفسي فأقرأ فيها ( سبح لله ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم ) حتى بلغ ( آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه ) قال : قلت : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا رسول الله ، فخرج القوم مبادرين فكبروا استبشارا بذلك ، ثم قالوا لي : أبشر يا ابن الخطاب فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعا يوم الإثنين فقال : " اللهم أعز الدين بأحب هذين الرجلين إليك ، إما عمر بن [ ص: 402 ] الخطاب وإما أبو جهل بن هشام ، وأنا أرجو أن تكون دعوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لك ، فقلت : دلوني على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أين هو ؟ فلما عرفوا الصدق مني دلوني عليه في المنزل الذي هو فيه ، فجئت حتى قرعت الباب فقال : من هذا ؟ فقلت : عمر بن الخطاب - وقد علموا شدتي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يعلموا بإسلامي - فما اجترأ أحد منهم أن يفتح لي حتى قال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " افتحوا له فإن يرد الله به خيرا يهده " قال : ففتح لي الباب ، فأخذ رجلان بعضدي حتى دنوت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أرسلوه " فأرسلوني ، فجلست بين يديه فأخذ بمجامع قميصي ثم قال : " أسلم يا ابن الخطاب ، اللهم اهده " فقلت : أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله ، قال : فكبر المسلمون تكبيرة سمعت في طرق مكة ، قال : وقد كانوا سبعين قبل ذلك وكان الرجل إذا أسلم فعلم به الناس يضربونه ويضربهم ، قال : فجئت إلى رجل فقرعت عليه الباب فقال : من هذا ؟ قلت : عمر بن الخطاب ، فخرج إلي فقلت له : أعلمت أني قد صبوت ؟ قال : أو فعلت ؟ قلت : نعم ، فقال : لا تفعل ، قال : ودخل البيت فأجاف الباب دوني ، قال : فذهبت إلى رجل آخر من قريش فناديته فخرج فقلت له : أعلمت أني قد صبوت ، فقال : أو فعلت ؟ قلت : نعم ، قال : لا تفعل ودخل البيت وأجاف الباب دوني ، فقلت : ما هذا بشيء ، قال : فإذا أنا لا أضرب ولا يقال لي شيء ، فقال الرجل أتحب أن يعلم إسلامك ؟ قال : قلت : [ ص: 403 ] نعم ، قال : إذا جلس الناس في الحجر فأت فلانا فقل له فيما بينك وبينه : أشعرت أني قد صبوت فإنه قل ما يكتم الشيء ، فجئت إليه وقد اجتمع الناس في الحجر فقلت له فيما بيني وبينه : أشعرت أني قد صبوت ؟ قال : فقال : أفعلت ؟ قال : قلت : نعم ، قال : فنادى بأعلى صوته : ألا إن عمر قد صبا ، قال : فثار إلي أولئك الناس فما زالوا يضربوني وأضربهم حتى أتى خالي فقيل له : إن عمر قد صبا ، فقام على الحجر فنادى بأعلى صوته : ألا إني قد أجرت ابن أختي فلا يمسه أحد ، قال : فانكشفوا عني فكنت لا أشاء أن أرى أحدا من المسلمين يضرب إلا رأيته فقلت : ما هذا بشيء ، إن الناس يضربون وأنا لا أضرب ، ولا يقال لي شيء فلما جلس الناس في الحجر جئت إلى خالي فقلت : اسمع ، جوارك عليك رد ، قال : لا تفعل ، قال : فأبيت فما زلت أضرب وأضرب حتى أظهر الله الإسلام " .

وهذا الحديث لا نعلم رواه عن أسامة بن زيد ، عن أبيه ، عن جده ، عن عمر إلا إسحاق بن إبراهيم الحنيني ، ولا نعلم يروى في قصة إسلام عمر إسناد أحسن من هذا الإسناد ، على أن الحنيني قد ذكرنا أنه خرج عن المدينة فكف واضطرب حديثه .

التالي السابق


الخدمات العلمية