الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                صفحة جزء
                                قال:

                                الحديث الثاني: 472 494 - ثنا إسحاق: ثنا عبد الله بن نمير: ثنا عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج يوم العيد أمر بالحربة فتوضع بين يديه فيصلي إليها والناس من ورائه، وكان يفعل ذلك في السفر، فمن ثم اتخذها الأمراء

                                [ ص: 620 ]

                                التالي السابق


                                [ ص: 620 ] في هذا الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى في فضاء من الأرض صلى إلى الحربة، فيركزها بين يديه، ثم يصلي إليها، فكان يفعل ذلك في العيدين; لأنه كان يصليهما بالمصلى، ولم يكن فيه بناء ولا سترة، وكان يفعل ذلك في أسفاره - أيضا - ; لأن المسافر لا يجد غالبا جدارا يستتر به، وأكثر ما يصلي في فضاء من الأرض.

                                وخرج ابن ماجه من طريق الأوزاعي : أخبرني نافع ، عن ابن عمر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغدو إلى المصلى في يوم عيد، والعنزة تحمل بين يديه، فإذا بلغ المصلى نصبت بين يديه، فيصلي إليها، وذلك أن المصلى كان فضاء ليس شيء يستتر به.

                                وخرج البخاري أوله دون آخره.

                                وقال أبو نعيم : ثنا سفيان ، عن إسماعيل بن أمية ، عن مكحول ، قال: كانت تحمل الحربة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم; لأنه كان يصلي إليها.

                                وما ذكر في حديث ابن عمر من اتخاذ الأمراء لها، فالأمراء الذين عناهم في زمنه إنما اتخذوها تعاظما وكبرا، لم يتخذوها لأجل الصلاة كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخذها للصلاة.

                                وفي الحديث: دليل على استحباب السترة للمصلي وإن كان في فضاء ، وهو قول الأكثرين.

                                ورخص طائفة من العلماء لمن صلى في فضاء أن يصلي إلى غير سترة، منهم: الحسن وعروة .

                                وكان القاسم وسالم يصليان في السفر إلى غير سترة. وروي عن الإمام أحمد نحوه، نقله عنه الأثرم وغيره. وهو - أيضا - مذهب مالك .

                                [ ص: 621 ] قال صاحب "تهذيب المدونة": ولا يصلي في الحضر إلا إلى سترة، ويصلي في السفر أو بموضع يأمن فيه مرور شيء بين يديه إلى غير سترة.

                                ويستدل لذلك بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم بمنى إلى غير جدار، كما تقدم في رواية مالك ؛ لحديث ابن عباس ، وأن الشافعي وغيره فسروه بصلاته إلى غير سترة بالكلية.

                                وقد قيل: إن فائدة السترة منع المرور بين يدي المصلي.

                                وقيل: كف النظر عما وراء السترة.

                                والأول أظهر وأشبه بظواهر النصوص، والعنزة ونحوها لا تكف النظر.

                                وحيث تستحب الصلاة إلى السترة، فليس ذلك على الوجوب عند الأكثرين، وهو المشهور عند أصحاب الإمام أحمد .

                                ومنهم من قال: هي واجبة، لكن لا تبطل الصلاة بتركها حتى يوجد المرور المبطل للصلاة الذي لأجله شرعت السترة.

                                وقال الأثرم : حديث ابن عباس في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم إلى غير سترة إن كان محفوظا فإنما وجهه إذا لم يجد سترة أجزأه.

                                فحمله على حالة تعذر وجود السترة، وفيه نظر; فإن النبي صلى الله عليه وسلم لا يتعذر عليه تحصيل ما يستتر به، وهو بمنى أو بعرفة ، ومعه الخلق العظيم من المسلمين.

                                ورخصت طائفة في الصلاة إلى غير سترة مطلقا ; روى جابر ، عن الشعبي ، قال: لا بأس أن يصلي إلى غير سترة.

                                وقال ابن سيرين قلت لعبيدة : ما يستر المصلي وما يقطع الصلاة؟ قال: يسترها التقوى ويقطعها الفجور. قال: فذكرته لشريح ، فقال: أطيب لنفسك أن تجعل بين يديك شيئا.

                                [ ص: 622 ] خرجهما وكيع .

                                وروى بإسناده، عن ابن مسعود ، قال: من الجفاء أن يصلي الرجل إلى غير سترة.




                                الخدمات العلمية