الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان (العافي) عند مالك و (المعفو له): ولي الدم، (وعفي) بمعنى: (يسر)، و (الأخ): [ ص: 387 ] القاتل، و (من): اسم ولي الدم، و (شيء): في موضع: (عفو)، ولذلك كان نكرة، وليس هو دية معلومة، وإنما هو ما بذله القاتل فرضي به الولي.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان أي: ليتبع ولي الدم ما بذل له بالمعروف، وليؤد القاتل المعفو عنه ما اتفقا عليه بإحسان، وقاله ابن عباس، وقتادة، ومجاهد، وغيرهم.

                                                                                                                                                                                                                                      ومذهب ابن المسيب، والشافعي، وابن حنبل، وغيرهم: أن (العافي): ولي المقتول، و (المعفو له): القاتل، و (عفي) بمعنى: ترك، من قولهم: (عفت الدار) ؛ أي: تركت حتى درست، و (من) اسم القاتل، والهاء في: (عفي له)، وفي: (أخيه) تعود على (من)، و (الأخ): ولي (المقتول، و (شيء): يراد به الدم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم أي: من قتل بعد قبول الدية، قاله ابن عباس وغيره.

                                                                                                                                                                                                                                      وإذا قتل بعد قبول الدية أو أخذها؛ فعليه القود عند مالك، والشافعي، وغيرهما من العلماء.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الحسن : يؤخذ منه ما أخذ، ولا يقتل.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 388 ] وروي عن عمر بن عبد العزيز وغيره: أن أمره إلى السلطان، يرى فيه رأيه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله عز وجل: ولكم في القصاص حياة} : قال مالك، وقتادة، وغيرهما: المعنى: أن الذي يريد أن يقتل إذا علم أنه يقتل إن قتل؛ أمسك، فبقيا جميعا، وإذا قتل إنسان فاقتص منه؛ اكتف أهل الشر خوفا من القصاص.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف الآية.

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن عباس، والحسن، وغيرهما: هي منسوخة بآية المواريث، فلا وصية واجبة لقريب، ولا بعيد.

                                                                                                                                                                                                                                      وعن ابن عباس أيضا: نسختها: للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون (النساء: 7]، وكان ولد الرجل يرثونه، ويعطى الوالدان والأقربون بالوصية.

                                                                                                                                                                                                                                      وعنه أيضا، وعن قتادة، وغيرهما: نسخ الله منها الوصية لوالدي الميت وأقربائه الذين يرثونه، وأقر فرض الوصية للذين لا يرثونه منهم.

                                                                                                                                                                                                                                      وعن الحسن أيضا، وطاووس : أنها غير منسوخة، وأن لفظها عموم، والمراد به الخصوص، أراد الله تعالى من لا يرث الميت دون من يرثه.

                                                                                                                                                                                                                                      وذهب بعض من يرى نسخ القرآن بالسنة إلى أنها منسوخة بقول النبي عليه [ ص: 389 ] الصلاة والسلام: " لا وصية لوارث ".

                                                                                                                                                                                                                                      وعن الضحاك، والشعبي، وغيرهما: أن الوصية للوالدين والأقربين واجبة بنص القرآن.

                                                                                                                                                                                                                                      وعن الزهري : أن الوصية واجبة فيما قل أو كثر.

                                                                                                                                                                                                                                      ولا خلاف في وجوب الوصية على من قبله ودائع وعليه ديون .

                                                                                                                                                                                                                                      وأكثر العلماء على أن الوصية غير واجبة على من ليس قبله شيء من ذلك، وأنها ندت.

                                                                                                                                                                                                                                      واختلفوا في مقدار (الخير) من قوله: إن ترك خيرا : فروي عن علي، وعائشة، وابن عباس، وغيرهم رضي الله عنهم: أن الخير: المال الكثير.

                                                                                                                                                                                                                                      وقالوا في سبعمئة دينار وشبهها: إنه قليل.

                                                                                                                                                                                                                                      قتادة : الخير: ألف دينار فما فوقها.

                                                                                                                                                                                                                                      الشعبي : ما بين خمس مئة إلى ألف.

                                                                                                                                                                                                                                      وعامة أهل العلم على أن للإنسان أن يوصي من ماله بالثلث فأدنى، وأن من أوصى بأكثر من الثلث؛ فما زاد على الثلث فهو مردود، إلا أن يجيزه الورثة، [ ص: 390 ] فيكون هبة منهم لمن أجازوه له.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: فمن بدله بعدما سمعه يعني: من بدل الوصية، والوصية والإيصاء سواء.

                                                                                                                                                                                                                                      إن الله سميع عليم أي: أنه سمع ما قاله الموصي، ويعلم ما فعله الموصى إليه.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية