الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 586 ] الإعراب:

                                                                                                                                                                                                                                      من أسكن الراء من ألم تر ؛ حذف الهمزة حذفا من غير إلقاء حركة; لأن الأصل: (ألم ترأ) ، وقد تقدم القول في حذف الهمزة، وسأذكره في الأصول إن شاء الله تعالى.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: {فيضاعفه له} : من رفع; عطف على {يقرض} ، أو على الاستئناف، كأنه قال: فهو يضاعفه، ومن نصب; فعلى الجواب بالفاء; على الحمل على المعنى دون اللفظ; لأن الاستفهام في اللفظ عن فاعل القرض ، لا عن القرض; لأن معنى: (من يقرض؟) كمعنى: من ذا الذي يقرض .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: إنما نصب; ليعطف مصدرا على مصدر; لأن معنى الآية: من يكن منه قرض؟ فلما كان معنى صدر الكلام المصدر; أضمر مع الفاء (أن) ؛ ليعطف مصدرا على مصدر، والفاء على هذا عاطفة للترتيب، على أصلها في باب العطف، فكأنه قال: من يكن منه قرض فيتبعه إضعاف؟والسين في: {ويبصط} و {بسطة} الأصل، وقلبت صادا; لمجاورتها الطاء، حسب ما تقدم في {الصراط} .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ملكا نقاتل في سبيل الله : الجزم على جواب الطلب، ويجوز في [ ص: 587 ] الكلام الرفع على معنى: (ونحن نقاتل) ، ومن قرأ بالياء; فالرفع حسن أيضا على الصفة لـ (ملك) ، ولو كان في التلاوة (نقاتل معه) ؛ لحسن الرفع على الصفة، مع قراءة النون.

                                                                                                                                                                                                                                      وفتح السين وكسرها من {عسيتم} لغتان، وذلك مع المضمر خاصة، وليس فيها مع الظاهر إلا الفتح.

                                                                                                                                                                                                                                      و(أن) في قوله: ألا تقاتلوا نصب خبر (عسى) ، وهي وما بعدها مصدر لا يحسن اللفظ به بعد (عسى) ؛ لأن المصدر لا يدل على زمان محصل، و(عسى) تحتاج أن يؤتى بعدها بلفظ المستقبل.

                                                                                                                                                                                                                                      وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله : موضع (أن) نصب على تقدير حذف (في) ، وهي عند الأخفش : زائدة.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 588 ] {طالوت} و {جالوت} : لم ينصرفا للعجمة والتعريف، ولا يصح قول من قال: (إن طالوت من الطول، وجالوت من الجول، وإن كل واحد منهما «فعلوت»؛ إذ لو كانا كذلك; لانصرفا.

                                                                                                                                                                                                                                      وإسكان الهاء وفتحها من (النهر) لغتان، والفتح عند الكوفيين مطرد، وقد تقدم القول فيه.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن ضم الغين من {غرفة} ؛ فعلى أنها اسم المغترف، وهو مفعول به يراد به: الماء، والباء في {بيده} متعلقة بالفعل، ولا تتعلق بـ {غرفة} إلا في قول من جعل (الغرفة) تعمل عمل المصدر، ومن فتح الغين; فهو مصدر، والمفعول محذوف، التقدير: (إلا من اغترف ماء غرفة) .

                                                                                                                                                                                                                                      أبو عمرو : (الغرفة) : المصدر، و(الغرفة) : الاسم، قال: وما كان باليد فهو (غرفة) ، وما كان بإناء فالضم فيه أحسن.

                                                                                                                                                                                                                                      الكسائي : لو كانت على تقدير: اغترف; لكانت: (اغترافة) ، فلما جاءت مخالفة للفعل، وجب أن تكون اسما; فتضم الغين.

                                                                                                                                                                                                                                      {ولولا دفاع الله} : {دفاع} : مصدر (دافع دفاعا) ؛ مثل: قاتل قتالا، وهو [ ص: 589 ] مثل: (عاقبت اللص) ، ويحتمل أن يكون مصدر (دفع) ؛ مثل: كتب كتابا.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن قرأ: {دفع} ؛ فهو مصدر (دفع) .

                                                                                                                                                                                                                                      ومن قرأ: {لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة} ؛ فهو على العموم; لنفي جميع هذه الأشياء المذكورة، والرفع على أن {لا} بمعنى (ليس) ، وهو في اللفظ كأنه للواحد، والمراد به: الجميع والعموم; فالقراءتان متقاربتان.

                                                                                                                                                                                                                                      أن آتاه الله الملك : مفعول له.

                                                                                                                                                                                                                                      إذ قال إبراهيم : موضع {إذ} نصب، والعامل فيه: ألم تر .

                                                                                                                                                                                                                                      أنا أحيي وأميت : إثبات الألف من {أنا} في الوصل على حمل الوصل على الوقف; لأنها إنما زيدت في الوقف لبيان الحركة، فهي كهاء السكت، ومثله قوله: [من الوافر]

                                                                                                                                                                                                                                      أنا سيف العشيرة فاعرفوني .....................

                                                                                                                                                                                                                                      وإثباتها عند الهمزة حرصا على بيان الهمزة; لأن زيادة الألف في {أنا} توجب تقدير الوقف عليها، فتكون الهمزة في حكم المبتدأ بها، ولا تكون الهمزة [ ص: 590 ] المبتدأة إلا مخففة، وأيضا فإن الألف إذا حذفت قربت الهمزة من الهمزة; إذ ليس بينهما سوى النون، فكان ذلك قريبا من اجتماعهما، فإذا زيدت الألف; تباعد ما بينهما.

                                                                                                                                                                                                                                      والحذف عند الهمزة المكسورة على الأصل، وهو جمع بين اللغتين.

                                                                                                                                                                                                                                      فبهت الذي كفر : من قرأ: {فبهت} ؛ فمعناه: تناهى في الدهش والحيرة; لأن (فعل) من أبنية المبالغة، ومن قرأ: {فبهت} ؛ فهو مثل: (ذهل) و(عجز) ، على أن يكون غير متعد، وهو مسند إلى الذي كفر ، [ويجوز أن يكون متعديا; فيكون المعنى: (فبهت إبراهيم الذي كفر) ، فـ {الذي} : مفعول].

                                                                                                                                                                                                                                      ويجوز أن يكون {الذي} فاعلا، والمفعول محذوف، التقدير: (فبهت الذي كفر إبراهيم) أي: أراد أن يبهته، كما قال: إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم [المائدة: 6] يريد: إذا أردتم القيام.

                                                                                                                                                                                                                                      والذي على قراءة الجماعة {فبهت} : اسم ما لم يسم فاعله.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 591 ] أو كالذي مر على قرية : [موضع الكاف نصب على العطف على المعنى، كأنه قال: هل رأيت كالذي حاج إبراهيم، أو كالذي مر على قرية؟].

                                                                                                                                                                                                                                      قال كم لبثت : {كم} : ظرف يسأل به عن قدر الزمان الذي لبثه المار على القرية في موته; فهي في موضع نصب.

                                                                                                                                                                                                                                      {يتسنه} وصواحبه: من حذف هاء السكت في الوصل; فهو الأصل; لأنها للوقف، يبين بها الحركة، ومن أثبتها; حمل الوصل على الوقف، وقدر الوقف عليها، وتقدم القول في {يتسنه} .

                                                                                                                                                                                                                                      وحذف الكسائي الهاء في {يتسنه} و {اقتده} [الأنعام: 90] خاصة; على وجه الجمع بين اللغتين، وكسر ابن عامر الهاء من {اقتده} ؛ على أنها ضمير المصدر، كأنه قال: (اقتد الاقتداء) .

                                                                                                                                                                                                                                      وحذف الصلة على تقدير الياء التي كانت قبل الهاء; لأن سقوطها عارض، ولو كانت موجودة; لحذف الصلة معها، وإثبات الصلة على مراعاة اللفظ; لأن الهاء قبلها كسرة، والياء معدومة في اللفظ.

                                                                                                                                                                                                                                      {ننشرها} : من (أنشر الله الميت) ؛ إذا أحياه، و {ننشرها} : من النشر [ ص: 592 ] الذي هو خلاف الطي، فالمعنى: (نصففها، ثم نكسوها لحما) ، أو يكون من قولهم: (نشر الميت، ونشرته) ، مثل: غاض الماء وغضته.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن قرأ: {ننشزها} بالزاي; فمعناه: (نرفع بعضها إلى بعض، ثم نكسوها لحما) ، من (النشوز) ، و(النشز) الذي أصله: الارتفاع.

                                                                                                                                                                                                                                      قال أعلم أن الله على كل شيء قدير : من قرأ على الأمر; فعلى أنه أنزل نفسه منزلة الأجنبي فأمرها، والخبر على أنه لما شاهد ما شاهد; قال: أعلم أن الله على كل شيء قدير .

                                                                                                                                                                                                                                      فصرهن إليك : الضم والكسر في الصاد لغتان، ويحتمل أن يكونا بمعنى: أملهن، أو بمعنى: قطعهن، وقد تقدم القول فيه في التفسير.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن قرأ: {فصرهن} ؛ فهو من (صر يصر) ، والراء مفتوحة لالتقاء الساكنين; لخفة الفتح، و (فعل يفعل) في المضاعف المتعدي قليل، وقد جاءت منه حروف; منها: نم الحديث ينمه وينمه، وعله بالماء يعله ويعله... في حروف سوى [ ص: 593 ] ذلك لا يقاس عليها.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن قرأ: {فصرهن} ؛ فهو على (فعل يفعل) ، وهو المعهود في المضاعف المتعدي، كـ (صب الماء يصب) ، وشبهه.

                                                                                                                                                                                                                                      والقراءتان راجعتان إلى معنى: ضمهن واجمعهن.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن قرأ: فصرهن ؛ فهو من (صر) ؛ إذا حبس وقطع، ومنه: (المصراة) : المحبوسة اللبن، المقطوع في ضرعها عن الخروج، فهو راجع إلى معنى الضم والجمع.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: قول معروف : ابتداء موصوف، والخبر محذوف، وقد تقدم في التفسير.

                                                                                                                                                                                                                                      وإسكان الفاء وفتحها من {صفوان} لغتان، وأكثر ما يأتي (فعلان) في الأوصاف; كـ (اللهبان) ، و (الصحران) ، في قولهم: (يوم لهبان وصحران) للشديد الحر، وفي المصادر; كـ (الغليان) ، وقد يأتي في الأسماء; كـ (الورشان) ، و(الكروان) .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 594 ] و(ربوة) : بفتح الراء، وضمها، وكسرها، و {رباوة} لغات في المكان المرتفع.

                                                                                                                                                                                                                                      ولا تيمموا الخبيث : أصله: (تيمموا) ، فمن خفف; حذف إحدى التاءين، ومن شدد; أدغم التاء في التاء، على إجراء المنفصل مجرى المتصل وإقامة الحرف الذي في آخر الكلمة التي قبلها مقام ما هو من الكلمة التي التاء فيها; لاتصاله بها، ولا يبتدأ بها مشدودة; لاستحالة الابتداء بالساكن.

                                                                                                                                                                                                                                      [ومن قرأ: ولا تيمموا ؛ فهو من يممت، وهما بمعنى].

                                                                                                                                                                                                                                      ومن قرأ: {تغمضوا} ؛ فمعناه: (إلا أن تأتوا غامضا من الأمر; لتطلبوا التأويل على أخذه) .

                                                                                                                                                                                                                                      ومن قرأ: {تغمضوا} ؛ فهو منقول من (غمض هو) ، و(أغمضه غيره) ، ومعناه: (أنهم يوجدون قد غمضوا فيه) ، فهو من باب: (أفعلت الشيء) ؛ إذا [ ص: 595 ] وجدته كذلك، ويحتمل أن يكون كأن شدة رغبتهم صارت كأنها أكرهتهم على أخذه.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن قرأ: {تغمضوا} ؛ فالمعنى: تغمضون أعين بصائركم عن أخذه.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن قرأ: ومن يؤت الحكمة ؛ فالفاعل: اسم الله جل وعز، و {من} : مفعول أول، و {الحكمة} : مفعول ثان.

                                                                                                                                                                                                                                      فنعما هي : من كسر النون والعين; احتمل أن يكون الأصل: (نعم) ، فأتبع العين النون، واحتمل أن يكون على لغة من قال: (نعم) ، فكسر العين; لالتقاء الساكنين.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن قرأ بفتح النون وكسر العين; احتمل أن يكون على لغة من قال:

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 596 ] (نعم) ، واحتمل أن يكون على لغة من خفف فقال: (نعم) ، فكسر العين; لالتقاء الساكنين.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن اختلس الكسرة; أراد التخفيف، ومن روى إسكان العين; فهو جمع بين الساكنين، وهو قليل شاذ، إنما يجيء في الشعر.

                                                                                                                                                                                                                                      وفي (نعم) أربع لغات: نعم، ونعم، ونعم، ونعم.

                                                                                                                                                                                                                                      و (ما) من {فنعما} : في موضع نصب على التفسير، وفي (نعم) ضمير {الصدقات} مرفوع بـ (نعم) ، وقوله: {هي} مبتدأة، وما قبلها الخبر، التقدير: (فنعم شيئا هي) ؛ أي: إبداؤها، فحذف المضاف، وأقام المضاف إليه مقامه، وأنثه لتعلقه بـ {الصدقات} ، كقوله: ( تلتقطه بعض السيارة )[يوسف: 10] فيمن قرأ بالتاء.

                                                                                                                                                                                                                                      ( ونكفر عنكم من سيئاتكم ) : الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، تقديره لمن قرأ بالنون: (ونحن نكفر) ، وبالياء: (والله يكفر) ، ويحتمل أن يكون مستأنفا منقطعا مما قبله.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن جزم; عطف على موضع: فهو خير لكم .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 597 ] ومن قرأ بالتاء أراد: {الصدقات} .

                                                                                                                                                                                                                                      ومن قرأ بالنصب; فوجهه: أن الجزاء يجب به الشيء لوجوب غيره، فأشبه الاستفهام، فنصب كما ينصب جواب الاستفهام.

                                                                                                                                                                                                                                      * * *

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية