الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      أبو داود ( ت ، س )

                                                                                      وابنه

                                                                                      سليمان بن الأشعث بن شداد بن عمرو بن عامر . كذا أسماه عبد الرحمن بن أبي حاتم . وقال محمد بن عبد العزيز الهاشمي : سليمان بن الأشعث بن بشر بن شداد . وقال ابن داسة وأبو عبيد الآجري : سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير بن شداد . وكذلك قال أبو بكر الخطيب في " تاريخه " . وزاد : ابن عمرو بن عمران . الإمام ، شيخ السنة ، مقدم الحفاظ أبو داود ، الأزدي السجستاني ، محدث البصرة . [ ص: 204 ]

                                                                                      ولد سنة اثنتين ومائتين ورحل ، وجمع ، وصنف ، وبرع في هذا الشأن .

                                                                                      قال أبو عبيد الآجري : سمعته يقول : ولدت سنة اثنتين وصليت على عفان سنة عشرين ، ودخلت البصرة وهم يقولون : أمس مات عثمان بن الهيثم المؤذن . فسمعت من أبي عمر الضرير مجلسا واحدا .

                                                                                      قلت : مات في شعبان من سنة عشرين ، ومات عثمان قبله بشهر ، قال : وتبعت عمر بن حفص بن غياث إلى منزله ، ولم أسمع منه وسمعت من سعيد بن سليمان مجلسا واحدا ، ومن عاصم بن علي مجلسا واحدا .

                                                                                      قلت : وسمع بمكة من القعنبي ، وسليمان بن حرب .

                                                                                      وسمع من : مسلم بن إبراهيم ، وعبد الله بن رجاء ، وأبي الوليد الطيالسي ، وموسى بن إسماعيل ، وطبقتهم بالبصرة .

                                                                                      ثم سمع بالكوفة من : الحسن بن الربيع البوراني ، وأحمد بن يونس اليربوعي ، وطائفة . وسمع من : أبي توبة الربيع بن نافع بحلب ، ومن : أبي جعفر النفيلي ، وأحمد بن أبي شعيب ، وعدة ، بحران . ومن حيوة بن شريح ، ويزيد بن عبد ربه ، وخلق بحمص . ومن صفوان بن صالح ، وهشام بن [ ص: 205 ] عمار ، بدمشق .

                                                                                      ومن إسحاق ابن راهويه وطبقته بخراسان . ومن أحمد بن حنبل وطبقته ببغداد . ومن قتيبة بن سعيد ببلخ .

                                                                                      ومن أحمد بن صالح وخلق بمصر . ومن إبراهيم بن بشار الرمادي ، وإبراهيم بن موسى الفراء ، وعلي بن المديني ، والحكم بن موسى ، وخلف بن هشام ، وسعيد بن منصور ، وسهل بن بكار ، وشاذ بن فياض ، وأبي معمر عبد الله بن عمرو المقعد .

                                                                                      وعبد الرحمن بن المبارك العيشي ، وعبد السلام بن مطهر ، وعبد الوهاب بن نجدة ، وعلي بن الجعد ، وعمرو بن عون ، وعمرو بن مرزوق ، ومحمد بن الصباح الدولابي ، ومحمد بن المنهال الضرير ، ومحمد بن كثير العبدي ، ومسدد بن مسرهد ، ومعاذ بن أسد ، ويحيى بن معين ، وأمم سواهم .

                                                                                      حدث عنه : أبو عيسى ، في " جامعه " ، والنسائي ، فيما قيل ، وإبراهيم بن حمدان العاقولي وأبو الطيب أحمد بن إبراهيم ابن الأشناني البغدادي ، نزيل الرحبة ، راوي " السنن " عنه وأبو حامد أحمد بن جعفر الأشعري الأصبهاني ، وأبو بكر النجاد ، وأبو عمرو أحمد بن علي بن حسن البصري ، راوي " السنن " عنه .

                                                                                      وأحمد بن داود بن سليم ، وأبو سعيد ابن الأعرابي راوي " السنن " بفوت له ، وأبو بكر أحمد بن محمد الخلال الفقيه ، وأحمد بن محمد بن ياسين الهروي ، وأحمد بن المعلى الدمشقي ، وإسحاق بن موسى الرملي الوراق .

                                                                                      وإسماعيل بن محمد الصفار ، وحرب بن إسماعيل الكرماني ، والحسن بن صاحب الشاشي ، والحسن بن عبد الله الذارع ، [ ص: 206 ] والحسين بن إدريس الهروي ، وزكريا بن يحيى الساجي ، وعبد الله بن أحمد الأهوازي عبدان ، وابنه أبو بكر ابن أبي داود ، وأبو بكر ابن أبي الدنيا ، وعبد الله ابن أخي أبي زرعة ، وعبد الله بن محمد بن يعقوب ، وعبد الرحمن بن خلاد الرامهرمزي ، وعلي بن الحسن بن العبد الأنصاري ، أحد رواة " السنن " وعلي بن عبد الصمد ما غمه وعيسى بن سليمان البكري ، والفضل بن العباس بن أبي الشوارب .

                                                                                      وأبو بشر الدولابي الحافظ ، وأبو علي محمد بن أحمد اللؤلؤي ، راوي " السنن " ومحمد بن أحمد بن يعقوب المتوثي البصري ، راوي كتاب " القدر " له ، ومحمد بن بكر بن داسة التمار ، من رواة " السنن " ومحمد بن جعفر بن الفريابي ، ومحمد بن خلف بن المرزبان ، ومحمد بن رجاء البصري ، وأبو سالم محمد بن سعيد الأدمي .

                                                                                      وأبو بكر محمد بن عبد العزيز الهاشمي المكي ، وأبو أسامة محمد بن عبد الملك الرواس ، راوي " السنن " بفواتات ، وأبو عبيد محمد بن علي بن عثمان الآجري الحافظ ، ومحمد بن مخلد العطار الخضيب ومحمد بن المنذر شكر ، ومحمد بن يحيى بن مرداس السلمي ، وأبو بكر محمد بن يحيى الصولي ، وأبو عوانة يعقوب بن إسحاق الإسفراييني . [ ص: 207 ]

                                                                                      وقد روى النسائي في " سننه " مواضع يقول : حدثنا أبو داود ، حدثنا سليمان بن حرب ، وحدثنا النفيلي ، وحدثنا عبد العزيز بن يحيى المدني ، وعلي بن المديني ، وعمرو بن عون ، ومسلم بن إبراهيم ، وأبو الوليد ، فالظاهر أن أبا داود في كل الأماكن هو السجستاني ، فإنه معروف بالرواية عن السبعة ، لكن شاركه أبو داود سليمان بن سيف الحراني في الرواية عن بعضهم ، والنسائي فمكثر عن الحراني .

                                                                                      وقد روى النسائي في كتاب " الكنى " ، عن سليمان بن الأشعث ، ولم يكنه ، وذكر الحافظ ابن عساكر في " النبل " أن النسائي يروي عن أبي داود السجستاني .

                                                                                      أنبأني جماعة سمعوا ابن طبرزد ، أخبرنا أبو البدر الكرخي ، أخبرنا أبو بكر الخطيب ، أخبرنا أبو عمر الهاشمي ، أخبرنا أبو علي اللؤلؤي ، أخبرنا أبو دواد ، حدثنا محمد بن كثير ، أخبرنا جعفر بن سليمان ، عن عوف ، عن أبي رجاء ، عن عمران بن حصين قال : جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال : السلام عليكم . فرد عليه ، ثم جلس ، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- " عشر " . ثم جاء آخر ، فقال : السلام عليكم ورحمة الله ، فرد عليه ، فجلس ، فقال : " عشرون " . ثم جاء آخر ، فقال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . فرد عليه ، فجلس ، وقال : " ثلاثون " [ ص: 208 ]

                                                                                      أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد -فيما أظن- وعمر بن محمد الفارسي وجماعة ، قالوا : أخبرنا عبد الله بن عمر ، أخبرنا عبد الأول بن عيسى ، أخبرنا أبو الحسن الداودي ، أخبرنا عبد الله بن أحمد ، أخبرنا عيسى بن عمر السمرقندي ، أخبرنا عبد الله بن عبد الرحمن الحافظ ، أخبرنا محمد بن كثير ، فذكره بنحوه .

                                                                                      أخرجه أبو عبد الرحمن النسائي ، عن أبي داود ، عن محمد بن كثير ، وأخرجه أبو عيسى في " جامعه " عن الحافظ عبد الله الدارمي ، فوافقناهما بعلو .

                                                                                      أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الحليم الفقيه بقراءتي ، أخبرنا علي بن مختار ، أخبرنا أحمد بن محمد الحافظ ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي الصوفي ، أخبرنا علي بن أحمد الرزاز ، حدثنا أحمد بن سلمان الفقيه ، حدثنا أبو داود سليمان بن الأشعث ، بالبصرة ، حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع ، حدثنا عبيد الله بن عمرو ، عن أيوب ، عن ابن سيرين ، عن أبي هريرة : أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن تلقي الجلب ، فإن تلقاه متلق فاشتراه ، فصاحب السلعة بالخيار إذا ورد السوق [ ص: 209 ] هذا حديث صحيح غريب وأخرجه الترمذي من طريق عبيد الله بن عمرو ، وهو من أفراده .

                                                                                      وقع لنا عدة أحاديث عالية لأبي داود ، وكتاب " الناسخ " له . وسكن البصرة بعد هلاك الخبيث طاغية الزنج ، فنشر بها العلم ، وكان يتردد إلى بغداد .

                                                                                      قال الخطيب أبو بكر : يقال : إنه صنف كتابه " السنن " قديما ، وعرضه على أحمد بن حنبل ، فاستجاده ، واستحسنه .

                                                                                      قال أبو عبيد : سمعت أبا داود يقول : رأيت خالد بن خداش ، ولم أسمع منه ، ولم أسمع من يوسف الصفار ، ولا من ابن الأصبهاني ، ولا من عمرو بن حماد ، والحديث رزق .

                                                                                      قال أبو عبيد الآجري : وكان أبو داود لا يحدث عن ابن الحماني ، ولا عن سويد ، ولا عن ابن كاسب ، ولا عن محمد بن حميد ، ولا عن سفيان بن وكيع .

                                                                                      وقال أبو بكر بن داسة : سمعت أبا داود يقول : كتبت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خمسمائة ألف حديث ، انتخبت منها ما ضمنته هذا الكتاب -يعني [ ص: 210 ] كتاب " السنن " ، جمعت فيه أربعة آلاف حديث وثمانمائة حديث ذكرت الصحيح ، وما يشبهه ويقاربه ، ويكفي الإنسان لدينه من ذلك أربعة أحاديث ، أحدها : قوله -صلى الله عليه وسلم- : الأعمال بالنيات والثاني : من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه والثالث : قوله : لا يكون المؤمن مؤمنا حتى يرضى لأخيه ما يرضى لنفسه والرابع : الحلال بين الحديث .

                                                                                      رواها الخطيب : حدثني أبو بكر محمد بن علي بن إبراهيم القاري الدينوري بلفظه : سمعت أبا الحسين محمد بن عبد الله بن الحسن الفرضي ، سمع ابن داسة .

                                                                                      قوله : يكفي الإنسان لدينه ، ممنوع ، بل يحتاج المسلم إلى عدد كثير من السنن الصحيحة مع القرآن . [ ص: 211 ]

                                                                                      قال أبو بكر الخلال : أبو داود الإمام المقدم في زمانه ، رجل لم يسبقه إلى معرفته بتخريج العلوم ، وبصره بمواضعه أحد في زمانه ، رجل ورع مقدم ، سمع منه أحمد بن حنبل حديثا واحدا ، كان أبو داود يذكره .

                                                                                      قلت : هو حديث أبي داود ، عن محمد بن عمرو الرازي ، عن عبد الرحمن بن قيس ، عن حماد بن سلمة ، عن أبي العشراء ، عن أبيه : أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سئل عن العتيرة ، فحسنها .

                                                                                      وهذا حديث منكر ، تكلم في ابن قيس من أجله وإنما المحفوظ عند حماد بهذا السند حديث : أما تكون الذكاة إلا من اللبة . .

                                                                                      ثم قال الخلال : وكان إبراهيم الأصبهاني ابن أورمة ، وأبو بكر بن صدقة يرفعون من قدره ، ويذكرونه بما لا يذكرون أحدا في زمانه مثله .

                                                                                      وقال أحمد بن محمد بن ياسين : كان أبو داود أحد حفاظ الإسلام لحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعلمه وعلله وسنده في أعلى درجة النسك والعفاف ، والصلاح والورع ، من فرسان الحديث . [ ص: 212 ]

                                                                                      وقال أبو بكر محمد بن إسحاق الصاغاني ، وإبراهيم الحربي : لما صنف أبو داود كتاب " السنن " ألين لأبي داود الحديث ، كما ألين لداود ، -عليه السلام- الحديد .

                                                                                      الحاكم : سمعت الزبير بن عبد الله بن موسى ، سمعت محمد بن مخلد يقول : كان أبو داود يفي بمذاكرة مائة ألف حديث ، ولما صنف كتاب " السنن " ، وقرأه على الناس ، صار كتابه لأصحاب الحديث كالمصحف ، يتبعونه ولا يخالفونه ، وأقر له أهل زمانه بالحفظ والتقدم فيه .

                                                                                      وقال الحافظ موسى بن هارون : خلق أبو داود في الدنيا للحديث ، وفي الآخرة للجنة .

                                                                                      وقال علان بن عبد الصمد : سمعت أبا داود ، وكان من فرسان الحديث .

                                                                                      قال أبو حاتم بن حبان : أبو داود أحد أئمة الدنيا فقها وعلما وحفظا ، ونسكا وورعا وإتقانا جمع وصنف وذب عن السنن .

                                                                                      قال الحافظ أبو عبد الله بن منده : الذين خرجوا وميزوا الثابت من المعلول ، والخطأ من الصواب أربعة : البخاري ، ومسلم ، ثم أبو داود ، والنسائي .

                                                                                      وقال أبو عبد الله الحاكم : أبو داود إمام أهل الحديث في عصره بلا مدافعة ، سمع بمصر والحجاز ، والشام والعراقين وخراسان . وقد كتب [ ص: 213 ] بخراسان قبل خروجه إلى العراق ، في بلده وهراة . وكتب ببغلان عن قتيبة ، وبالري عن إبراهيم بن موسى ، إلا أن أعلى إسناده : القعنبي ، ومسلم بن إبراهيم . . . وسمى جماعة . قال : وكان قد كتب قديما بنيسابور ، ثم رحل بابنه أبي بكر إلى خراسان .

                                                                                      روى أبو عبيد الآجري ، عن أبي داود ، قال : دخلت الكوفة سنة إحدى وعشرين ، وما رأيت بدمشق مثل أبي النضر الفراديسي ، وكان كثير البكاء ، كتبت عنه سنة اثنتين وعشرين .

                                                                                      قال القاضي الخليل بن أحمد السجزي : سمعت أحمد بن محمد بن الليث قاضي بلدنا يقول : جاء سهل بن عبد الله التستري إلى أبي داود السجستاني ، فقيل : يا أبا داود : هذا سهل بن عبد الله جاءك زائرا ، فرحب به ، وأجلسه ، فقال سهل : يا أبا داود ! لي إليك حاجة . قال : وما هي ؟ قال : حتى تقول : قد قضيتها مع الإمكان . قال : نعم . قال : أخرج إلي لسانك الذي تحدث به أحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى أقبله . فأخرج إليه لسانه فقبله .

                                                                                      روى إسماعيل بن محمد الصفار ، عن الصاغاني ، قال : لين لأبي داود السجستاني الحديث ، كما لين لداود الحديد .

                                                                                      وقال موسى بن هارون : ما رأيت أفضل من أبي داود .

                                                                                      قال ابن داسة : سمعت أبا داود يقول : ذكرت في " السنن " الصحيح وما يقاربه ، فإن كان فيه وهن شديد بينته [ ص: 214 ]

                                                                                      قلت : فقد وفى -رحمه الله- بذلك بحسب اجتهاده ، وبين ما ضعفه شديد ، ووهنه غير محتمل ، وكاسر عن ما ضعفه خفيف محتمل ، فلا يلزم من سكوته -والحالة هذه- عن الحديث أن يكون حسنا عنده ، ولا سيما إذا حكمنا على حد الحسن باصطلاحنا المولد الحادث ، الذي هو في عرف السلف يعود إلى قسم من أقسام الصحيح ، الذي يجب العمل به عند جمهور العلماء ، أو الذي يرغب عنه أبو عبد الله البخاري ، ويمشيه مسلم ، وبالعكس ، فهو داخل في أداني مراتب الصحة ، فإنه لو انحط عن ذلك لخرج عن الاحتجاج ، ولبقي متجاذبا بين الضعف والحسن ، فكتاب أبي داود أعلى ما فيه من الثابت ما أخرجه الشيخان ، وذلك نحو من شطر الكتاب ، ثم يليه ما أخرجه أحد الشيخين ، ورغب عنه الآخر ، ثم يليه ما رغبا عنه ، وكان إسناده جيدا ، سالما من علة وشذوذ ، ثم يليه ما كان إسناده صالحا ، وقبله العلماء لمجيئه من وجهين لينين فصاعدا ، يعضد كل إسناد منهما الآخر ، ثم يليه ما ضعف إسناده لنقص حفظ راويه ، فمثل هذا يمشيه أبو داود ، ويسكت عنه غالبا ، ثم يليه ما كان بين الضعف من جهة راويه ، فهذا لا [ ص: 215 ] يسكت عنه ، بل يوهنه غالبا ، وقد يسكت عنه بحسب شهرته ونكارته ، والله أعلم .

                                                                                      قال الحافظ زكريا الساجي : كتاب الله أصل الإسلام ، وكتاب أبي داود عهد الإسلام .

                                                                                      قلت : كان أبو داود مع إمامته في الحديث وفنونه من كبار الفقهاء ، فكتابه يدل على ذلك ، وهو من نجباء أصحاب الإمام أحمد ، لازم مجلسه مدة ، وسأله عن دقاق المسائل في الفروع والأصول .

                                                                                      وكان على مذهب السلف في اتباع السنة والتسليم لها ، وترك الخوض [ ص: 216 ] في مضائق الكلام .

                                                                                      روى الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، قال : كان عبد الله بن مسعود يشبه بالنبي -صلى الله عليه وسلم- في هديه ودله . وكان علقمة يشبه بعبد الله في ذلك .

                                                                                      قال جرير بن عبد الحميد : وكان إبراهيم النخعي يشبه بعلقمة في ذلك ، وكان منصور يشبه بإبراهيم .

                                                                                      وقيل : كان سفيان الثوري يشبه بمنصور ، وكان وكيع يشبه بسفيان ، وكان أحمد يشبه بوكيع ، وكان أبو داود يشبه بأحمد .

                                                                                      قال الخطابي : حدثني عبد الله بن محمد المسكي ، حدثني أبو بكر بن جابر خادم أبي داود -رحمه الله- قال : كنت مع أبي داود ببغداد ، فصلينا المغرب ، فجاءه الأمير أبو أحمد الموفق -يعني ولي العهد- فدخل ، ثم أقبل عليه أبو داود ، فقال : ما جاء بالأمير في مثل هذا الوقت ؟ قال : خلال ثلاث . قال : وما هي ؟ قال : تنتقل إلى البصرة فتتخذها وطنا ، ليرحل إليك طلبة العلم ، فتعمر بك ، فإنها قد خربت ، وانقطع عنها الناس ، لما جرى عليها من محنة الزنج . فقال : هذه واحدة . قال : وتروي لأولادي " السنن " . قال : نعم ، هات الثالثة . قال : وتفرد لهم مجلسا ، فإن أولاد الخلفاء لا يقعدون مع العامة . قال : أما هذه فلا سبيل إليها ، لأن الناس في العلم سواء .

                                                                                      قال ابن جابر : فكانوا يحضرون ويقعدون في كم حيري ، عليه ستر ، ويسمعون مع العامة . [ ص: 217 ] قال ابن داسة : كان لأبي داود كم واسع وكم ضيق ، فقيل له في ذلك ، فقال : الواسع للكتب ، والآخر لا يحتاج إليه .

                                                                                      قال أبو بكر ابن أبي داود : سمعت أبي يقول : خير الكلام ما دخل الأذن بغير إذن .

                                                                                      قال أبو عبيد الآجري : سمعت أبا داود يقول : الليث روى عن الزهري ، وروى عن أربعة ، عن الزهري ، حدث عن : خالد بن يزيد ، عن سعيد بن أبي هلال ، عن إبراهيم بن سعد ، عن صالح بن كيسان ، عن الزهري .

                                                                                      وسمعت أبا داود يقول : كان عمير بن هانئ قدريا ، يسبح كل يوم مائة ألف تسبيحة ، قتل صبرا بداريا أيام يزيد بن الوليد ، وكان يحرض عليه .

                                                                                      قال أبو داود : مسلمة بن محمد حدثنا عنه مسدد ، قال أبو عبيد : فقلت لأبي داود : حدث عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة : " إياكم والزنج ، فإنه خلق مشوه " ؟ فقال : من حدث بهذا ، فاتهمه .

                                                                                      وقال أبو داود : يونس بن بكير ليس هو عندي حجة ، هو والبكائي سمعا من ابن إسحاق بالري .

                                                                                      قال الحاكم : سليمان بن الأشعث السجستاني مولده بسجستان ، وله ولسلفه إلى الآن بها عقد وأملاك وأوقاف ، خرج منها في طلب الحديث إلى البصرة ، فسكنها ، وأكثر بها السماع عن سليمان بن حرب ، وأبي النعمان ، [ ص: 218 ] وأبي الوليد ، ثم دخل إلى الشام ومصر ، وانصرف إلى العراق ، ثم رحل بابنه أبي بكر إلى بقية المشايخ ، وجاء إلى نيسابور ، فسمع ابنه من إسحاق بن منصور ، ثم خرج إلى سجستان . وطالع بها أسبابه ، وانصرف إلى البصرة واستوطنها .

                                                                                      وحدثنا محمد بن عبد الله الزاهد الأصبهاني ، حدثنا أبو بكر ابن أبي داود ، حدثنا أبي ، حدثنا محمد بن عمرو الرازي ، حدثنا عبد الرحمن بن قيس ، عن حماد بن سلمة ، عن أبي العشراء الدارمي ، عن أبيه : أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سئل عن العتيرة ، فحسنها .

                                                                                      قيل : إن أحمد كتب عن أبي هذا ، فذكرت له ، فقال : نعم . قلت : وكيف كان ذلك ؟ فقال : ذكرنا يوما أحاديث أبي العشراء ، فقال أحمد : لا أعرف له إلا ثلاثة أحاديث ، ولم يرو عنه إلا حماد حديث اللبة وحديث : رأيت على أبي العشراء عمامة . فذكرت لأحمد هذا ، فقال : أمله علي . ثم قال : لمحمد بن أبي سمينة عند أبي داود حديث غريب . فسألني ، فكتبه عني محمد بن يحيى بن أبي سمينة .

                                                                                      قال الحاكم : وأخبرنا أبو حاتم بن حبان : سمعت ابن أبي داود ، سمعت أبي يقول : أدركت من أهل الحديث من أدركت ، لم يكن فيهم أحفظ للحديث ، ولا أكثر جمعا له من ابن معين ، ولا أورع ولا أعرف بفقه الحديث من أحمد ، وأعلمهم بعلله علي بن المديني ، ورأيت إسحاق -على حفظه ومعرفته- يقدم أحمد بن حنبل ، ويعترف له . [ ص: 219 ]

                                                                                      وحدثني أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن منده ، حدثني عبد الكريم ابن النسائي ، حدثني أبي ، حدثنا أبو داود سليمان بن الأشعث بالبصرة ، قال : سمع الزهري من ثلاثة عشر رجلا ، من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : أنس ، سهل ، السائب ، سنين أبي جميلة محمود بن الربيع ، رجل من بلي ، ابن أبي صعير ، أبي أمامة بن سهل ، وقالوا : ابن عمر ؟ فقال : رأيت ابن عمر سن على وجهه الماء سنا . وقالوا : إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف يذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم قبض ، وعبد الرحمن بن أزهر .

                                                                                      أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد وإسماعيل بن عبد الرحمن ومحمد بن بيان بقراءتي ، أخبركم الحسن بن صباح ، أخبرنا عبد الله بن رفاعة ، أخبرنا علي بن الحسن القاضي ، أخبرنا عبد الرحمن بن عمر النحاس ، قال : حدثنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن الأعرابي ، حدثنا أبو داود سليمان بن حرب ، ومسدد ، قالا : أخبرنا حماد ، عن ثابت ، عن أبي بردة ، عن الأغر -وكانت له صحبة- قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : إنه ليغان على قلبي ، وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة [ ص: 220 ] .

                                                                                      أخرجه مسلم أيضا من حديث حماد هذا ، وهو ابن زيد ، وأخرجه مسلم من حديث عمرو بن مرة ، عن أبي بردة ، عن الأغر بن يسار المزني ، وقيل : الجهني ، وما علمته روى شيئا سوى هذا الحديث .

                                                                                      وأخبرناه أبو سعيد الثغري ، أخبرنا عبد اللطيف بن يوسف ، أخبرنا عبد الحق ، أخبرنا علي بن محمد ، أخبرنا أبو الحسن الحمامي ، أخبرنا ابن قانع ، حدثنا علي بن محمد بن أبي الشوارب ، حدثنا أبو الوليد ، حدثنا شعبة ، قال : عمرو بن مرة أخبرني ، قال : سمعت أبا بردة يحدث عن رجل من جهينة ، يقال له : الأغر ، وكان من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول : يا أيها الناس ! توبوا إلى ربكم ، فإني أتوب إلى الله في كل يوم مائة مرة .

                                                                                      قال أبو داود في " سننه " : شبرت قثاءة بمصر ثلاثة عشر شبرا ، ورأيت أترجة على بعير ، وقد قطعت قطعتين ، وعملت مثل عدلين .

                                                                                      فأما سجستان ، الإقليم الذي منه الإمام أبو داود : فهو إقليم صغير منفرد ، متاخم لإقليم السند ، غربيه بلد هراة ، وجنوبيه مفازة ، بينه وبين إقليم فارس وكرمان ، وشرقيه مفازة وبرية بينه وبين مكران التي هي قاعدة السند ، وتمام هذا الحد الشرقي بلاد الملتان ، وشماليه أول الهند .

                                                                                      فأرض سجستان كثيرة النخل والرمل ، وهي من الإقليم الثالث من السبعة ، وقصبة سجستان هي : زرنج ، وعرضه اثنتان وثلاثون درجة ، وتطلق [ ص: 221 ] زرنج ، على سجستان ، ولها سور ، وبها جامع عظيم ، وعليها نهر كبير ، وطولها من جزائر الخالدات تسع وثمانون درجة ، والنسبة إليها أيضا : " سجزي " ، وهكذا ينسب أبو عوانة الإسفراييني ، أبا داود فيقول : السجزي ، وإليها ينسب مسند الوقت أبو الوقت السجزي . وقد قيل -وليس بشيء- : إن أبا داود من سجستان قرية من أعمال البصرة ، ذكره القاضي شمس الدين في " وفيات الأعيان " فأبو داود أول ما قدم من البلاد ، دخل بغداد ، وهو ابن ثمان عشرة سنة ، وذلك قبل أن يرى البصرة ، ثم ارتحل من بغداد إلى البصرة .

                                                                                      قال أبو عبيد الآجري : توفي أبو داود في سادس عشر شوال ، سنة خمس وسبعين ومائتين .

                                                                                      قلت : كان أخوه محمد بن الأشعث أسن منه بقليل ، وكان رفيقا له في الرحلة .

                                                                                      يروي عن : أصحاب شعبة .

                                                                                      روى عنه : ابن أخيه أبو بكر بن أبي داود . ومات كهلا قبل أبي دواد بمدة .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية