الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وسواس الفلسفة المادية والشك في الدين

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله.

منذ 4 سنوات وأنا أحضر رسالة دكتوراه في دولة غربية بأحد أعرق مراكز البحث ولله الحمد، لكنني ابتليت في إيماني، فأنا أعمل مع أشخاص لا يؤمنون إلا بالمادة وفلسفتها، يعتبرون أن تطور البشر من القرود من المسلمات وأن وعينا مجرد صدفة، كل شيء يفسر بالسببية ولا مجال لخلاف ذلك مما يعتبرونه خرافات أو مجرد وسائل تحكم بالشعوب.

تأثرت كثيراً بهذا المنهاج في التفكير ومسني غباره حتى أثر على بصيرتي ويقيني، فقد كنت أعبد الله على طمأنينة وكأنني أراه، لكن الفلسفة المادية تسللت إلى عقلي وراودتني الشكوك، فأصبحت صلواتي بلا روح ولم تعد ذكرا للمولى عز وجل، وبعدها مرضت بالاكتئاب وأصبحت الدنيا لا معنى لها، شككت في ديني وفي الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حتى أنني كدت أن أكفر أو ربما كفرت لأنني أشركت بالله الأسباب، أصبحت السببية والعلم المادي ربا جديدا!

حاولت أن أستعيذ بالله من هذه الأفكار ومحاربتها وتمكنت من التخلص من بعضها كنظرية التطور التي بدا لي بطلانها بعد دراستها لكونها مبنية على الظن فقط، بالمناسبة بعد مناقشتي لزملائي لهذه النظرية تعجبت من تعصبهم الشديد لها رغم الحجج ضدها، حتى أنني طلبت تفاصيلها من أحد أشد المؤمنين بها من حولي فوجدت أنني أعرفها أحسن منه! عندها قلت في نفسي: يا عجبا، يؤمنون بأمر ظني وأنا أشك بأصل ديني! وعرفت أن المسألة فيها جهل ومصلحة.

بقي سؤال يحيرني ويعيقني وأتألم منه بشدة: كيف أننا مسئولون عن أفعالنا؟ الفلسفة المادية تقول أن أفعالنا تعتمد على عقولنا التي بدورها تعود إلى عوامل لا نختارها:

• المورثات التي تخطط للأعصاب قبل الولادة.
• البيئة.
• التربية.

فمن أين تأتي المسئولية؟ أي أنه في وضع معين، ما الذي يجعلني أختار أمراً عوضا عن أمر آخر؟ فإذا كانت المورثات فأنا ورثتها عن والدي، البيئة لم أخترها والتربية كذلك، حتى إن كانت الشخصية فهي تعود للأمور السابقة.

لا أظن أن الله سيحاسبنا على أمر يعتمد على السببية المادية وإلا لأصبح الأمر جبرا، ثم إن الله لا يظلم مثقال ذرة، الحل الوحيد الذي أتصوره هو أن تكون لنا قدرة على الاختيار لا تعود لأسباب مادية وإنما تعود لعالم الغيب هل تلك هي الروح؟ أتصور اختيارا لا يفسر بالمادة، اختيارا لا يعود إلى الأسباب السابقة (المورثات، البيئة والتربية) وإنما يقترن بها. عندها يحاسبنا الله حسب اختيارنا النابع من تلك الخاصية الغيبية وتبقى الأسباب الأخرى مجرد ظروف ومعطيات من أجل الامتحان فلا أحاسب لأنني ولدت مسلما ولكن يعتبر ذلك أمراً في صالحي وأختبر حسب ذلك.

سؤالي: هل من إجابة مقنعة من العقيدة؟ هل من وسيلة لتصحيح فهمي؟ فدون إجابة مقنعة ودقيقة أبقى في شكوكي.

يقول الله تعالى: (( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ))[النحل:43]، والله إني لأتألم ولا أجد من حولي عالما أثق به ويطمئن له قلبي لأسأله، أسألكم أن تفكوا علي كربتي في الدنيا وعسى أن يفك الله عنكم كرب يوم القيامة.

أرجو من الله أن يجعل منكم أحد أسباب شفائي ويعيد إلي الإيمان الفطري ويخلصني من ويلات الفلسفة.

والسلام عليكم ورحمة الله.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد هداه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنّه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك في موقعك، وكم يُسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله جل وعلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يشرح صدرك للذي هو خير، وأن يرزقك الثبات على دينه، وأن يذهب عنك هذه الحيرة وهذا الشك، وأن يملأ قلبك إيماناً ويقيناً وصدقاً.

وبخصوص ما ورد برسالتك، فإنه ومما لا شك فيه أن اختلاطك بهؤلاء الأشخاص وهذه البيئة المادية الملحدة لهما أعظم الأثر فيما أنت فيه الآن، والصاحب ساحب، والمرء على دين خليله، ومن هنا نجد النبي صلى الله عليه وسلم يؤكد على ذلك بقوله: (لا تُصاحب إلا مؤمناً)، ويقول: (مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير) إلى غير ذلك من النصوص، وما أنت فيه أكبر برهان على ذلك، ثم نجده صلى الله عليه وسلم كذلك ينهى عن السفر إلى بلاد الكفر والإقامة بها؛ خشية تأثر المسلم قليل العلم ضعيف الشخصية بأفكارهم ونمط حياتهم، ويبدو لي أنك قد ذهبت إلى تلك البلاد بعاطفةٍ إسلامية صادقة ولكن بعلمٍ شرعي قليل، مما جعل مقاومتك تضعف مع الأيام ومع كثرة تكرار ومعايشة هذه الأفكار، حيث بدأت العاطفة تضعف؛ لأنها وحدها غير كافية لمواجهة هذه التحديات؛ لأنه لا يقرع العلم إلا العلم ولا يرد الحجة إلا الحجة، وهذا ما تفتقده على الأقل أمام نفسك.

فما تشكو منه ما هو ألا أثر من آثار مخالفة السنة في التعامل مع غير المسلمين والإقامة بينهم.

ونظراً لأن القضية التي تشكو منها لا يصلح لها كتابة عدة أسطر أو ورقات، فأقترح عليك الإسراع بالعودة إن كان ذلك ممكناً، مع التقليل من الاحتكاك بهذا المجتمع إن أمكن قدر الاستطاعة، كذلك لا بد لك من المواظبة على الصلاة والأذكار وقراءة القرآن، حتى وإن كنت لا تشعر بحلاوة لهذا أو طعم؛ لأن هذه العبادات هي طوق النجاة لك الآن من الانهيار الكامل والكفر الصريح، وحاول الدخول إلى موقعنا باللغة الإنجليزية فرع العقيدة، وحاول محاورة الإخوة هناك، فلعل وعسى أن تستفيد ولو بصورة مؤقتة حتى ترجع إلى بلدك وتجالس العلماء وتناقشهم.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً