الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أدعو الله أن يكون راضياً عني لكن الوسواس أتعبني في ذلك!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا مريضة بالوسواس القهري في الدين، وفي الذات الإلهية، وهذا الموضوع أتعبني، وصرت في حالة اكتئاب، وغالباً يجيء في أحلامي أو لا أدري، لكن أحلامي مخيفة جداً، وأحس في أحلامي أن ربنا غير راض عني.

الموضوع هذا أتخوف منه كثيرًا، غير أن أحلامي مخيفة، رغم أني -والحمد لله- أصلي وأسمع القرآن كثيرًا، وأقول الأذكار، وأتمنى أن ربنا يكون راضياً عني، وبقيت أدعو الله أن يعطيني إشارة أنه راض عني، وأدعو أن أرى الرسول -صلى الله عليه وسلم- في المنام حتى أطمئن، لكن لا أعرف هل هذا صحيح أم غلط، إلَّا أني أخاف أن هذا يزداد دائماً.

بقيت عندي مشكلة في الدعاء، رغم أني كنت موقنة بالإجابة دائمًا، وكانت دعواتي - والله أعلم - مستجابة، لدرجة أنه مثلما يقال: (خير سلاح سلاح الدعاء)، وكنت قريبة من ربي قبل الوسواس، وفجأة بقيت وحيدة، ودعوت بالزواج فلم يُستجب لي.

أنا أعرف أنه أمر الله، وبالتأكيد هو خير، لكني لا أعرف لماذا أقنط، رغم أني كارهة أن أيأس أو أفقد اليقين في ربنا -أستغفر الله- لكن هذا الأمر يأتي غصباً عني، رغم أني موقنة بأن وعد الله حق، وأنه يُجيب دعوة الداعي، وأن أمره كله خير.

لا أعرف لماذا أنا خائفة دائمًا من أن ربنا لا يكون راضياً عني، خصوصًا أني وقعت في ذنب لكني تبت منه، أسأل الله أن يعينني ولا أرجع إلى الذنب أبدًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ الين حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نسأل الله تعالى أن يُذهب عنك هذه الوساوس، ويصرف عنك شرَّها.

أنت مأمورة بأن تأخذي بالأسباب للتداوي من هذا الداء، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (ما أنزل الله داءً إلَّا وأنزل له دواء، فتداووا عباد الله)، والوسوسة أو ما يُسمّى بالوسواس القهري داءٌ من الأدواء، ينبغي لك الأخذ بأسباب الشفاء منه والصبر على ذلك، حتى يَمُنّ الله تعالى عليك بالعافية.

أهم الأدوية من الجانب الروحي وصية النبي -صلى الله عليه وسلم- بالإعراض عن الوساوس، وعدم الاشتغال بها، وشغل النفس بغيرها، والإكثار من اللجوء إلى الله تعالى بالاستعاذة، فقد قال عليه الصلاة والسلام لمن ابتُلي بشيءٍ من الوسوسة: (فليستعذ بالله ولينتهِ)، كما أوصاه صلى الله عليه وسلم بالإكثار من ذكر الله، فقال في رواية: (فليقل: آمنت بالله)، وهذا الدواء سيقلع عنك الوساوس بعون الله تعالى، إذا صبرت عليه، فداومي عليه واصبري واحتسبي.

أمَّا ما ذكرته من شأن الرؤى المنامية، فإن الرؤى قد قسّمها النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى أقسام، فقال: (الرُّؤْيَا مِنَ اللهِ وَالْحُلُمُ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ ‌شَيْئًا ‌يَكْرَهُهُ فَلْيَنْفُثْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَلْيَتَعَوَّذْ بِاللهِ مِنْ شَرِّهَا فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ)، وقد قال راوي الحديث: (إِنْ كُنْتُ لَأَرَى الرُّؤْيَا أَثْقَلَ عَلَيَّ مِنْ جَبَلٍ، فَمَا هُوَ إِلَّا أَنْ سَمِعْتُ بِهَذَا الْحَدِيثِ فَمَا أُبَالِيهَا). وهذا الحديث رواه الإمام مسلم في صحيحه.

اعملي بهذا التوجيه النبوي وستجدين الراحة بعون الله تعالى من آثار هذه الرؤى المكروهة.

أمَّا الدعاء: فكما ذكرت في استشارتك، (خير سلاح المؤمن الدعاء) ينبغي له أن يتسلّح به، وأن يُكثر منه، ومع الدعاء ينبغي أن يكون موقنًا بأن الله تعالى لا يُعجزه أن يستجيب دعاءه، فيدعو الله تعالى بقلبٍ موقن بالإجابة، ويتجنب أسباب الاعتداء في الدعاء، بأن لا يسأل ما لا يجوز له أن يسأله من ربّه، ولا يدعو بإثمٍ ولا قطيعة رحم، وإذا لم يستجب له ربُّه خلال فترة زمنية فلا ييأس، وقد سمَّى النبي -صلى الله عليه وسلم- ترك الدعاء بسبب تأخُّر الإجابة، سمَّاه (تعجُّلًا) فقال عليه الصلاة والسلام: (‌يُسْتَجَابُ ‌لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ) ثم فسّر العجلة بأن (يَقُولُ: دَعَوْتُ ودَعَوْتُ ودَعَوْتُ فَلَمْ أَرَ يُسْتَجَاب لِي، فيستحسر عند ذلك) أي يترك الدعاء عند ذلك.

الله سبحانه وتعالى رحيم بنا، وقادر وقدير على إجابة دعائنا وإعطائنا مسائلنا، ولكنه سبحانه وتعالى يُدبّرُ أمرنا باللطف والرحمة والحكمة، وقد قال سبحانه: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216].

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقك لكل خير ويصرف عنك كل مكروه وشر.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً