الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

القلق التوقعي وعلاجه

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مشكلتي مع توهم المرض لأنها أزعجتني منذ حوالي ثلاث سنوات، وعمري 29 سنة ومتزوج ولله الحمد.

قبل زواجي طلبوا تحليل ما قبل الزواج ومنذ هذه اللحظة دخلت في دوامة توهم المرض، فعندما ذهبت لأعمل تحليل ما قبل الزواج كنت مرتبكاً جداً وعشت ثلاثة أيام وأنا لا أنام في الليل، ومتوتر جداً وخائف من النتائج، وعندما ظهرت النتائج لم أرتح لها وذهبت وعملت تحليلاً شاملاً وكانت -ولله الحمد- سليمة وعندها ارتحت قليلاً، ولكن سرعان ما عاودت لي الشكوك والظنون بأن بي شيئاً ما، وعندما تنتابني هذه الأحاسيس أحس بخفقان شديد في القلب وخوف ورعب.

قد ذهبت إلى طبيب نفسي وشرحت له الحالة ووصف لي دواء (لوسترال) و(بوسبار) وتحسنت معه والحمد لله، وتزوجت وعشت حياة جميلة، مع العلم بأنني تركت الدواء بعد فترة قصيرة - حوالي أربعة أشهر -.

بعدها في يوم من الأيام كنت في مجلس مع الأصدقاء وتحدثوا عن ارتفاع الضغط، وبعدها أصبح شغلي الشاغل، وذهبت بعدها وقست الضغط فكان مرتفعاً وكنت في حالة خوف شديد جداً وخفقان في القلب شديد عند القياس، وبعدها ذهبت إلى طبيب باطني وأصبحت أقيس الضغط عنده، ولكن المشكلة عند ذهابي إلى الطبيب كأنني ذاهب إلى حتفي، فأشعر بخوف شديد من نتائج القياس ونبضات قلبي شديدة جداً تصل إلى 120 في الدقيقة، وعندما يقيسه يكون مرتفعاً 150/90، وبعدها نصحني الطبيب بتناول دواء (أملور) 5 مليجرام مرة في اليوم، ولي على هذا الوضع حوالي سنة ونصف.

علماً بأني اشتريت جهازين الكترونيين لقياس الضغط، وعندما أقيسه في البيت وأنا مرتاح جداً أجده 115/65، ولكن عند الطبيب لا أستطيع أن أتحكم في أعصابي.

أحياناً في وضعي الطبيعي أفكر في أن ضغطي مرتفع وتصيبني حالة من الخوف الشديد فأذهب وأقيس الضغط في البيت فأجده مرتفعاً ونبضي يصل إلى 110 في الدقيقة وعندما أرتاح قليلاً ينزل الضغط إلى مستواه الطبيعي 125/70 وعلى هذا الوضع.

علماً بأن ضغطي وصل إلى أعلى درجة 160/90 وكنت متوتراً جداً، وفي أغلب الأحيان في البيت يكون 11/70.

عندما أحس بالخوف من ارتفاع الضغط أحس بنبضات القلب تتسارع بشكل رهيب وصداع وضيق في التنفس سرعان ما يزول، وبقية اليوم أصبح خائفاً وأحياناً أحس بتحسن، فما هو العلاج اللازم؟!

وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ MA حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

حقيقة أنت تعاني من نوع من المخاوف، وليست توهمات مرضية، فأنت لديك مخاوف ولديك ما يعرف بالقلق التوقعي، أي أنك تتوقع الأمر بشيء من المبالغة مما يتولد عنه الخوف، وتزداد لديك ضربات القلب والضيق يرتفع لديك أيضاً، وهذا بالطبع ناتج من إفراز مادة تعرف باسم الأدرانيل، وهذا الخوف الذي ينتابك جعلك تركز بصورة أكبر وتحصر هذا التركيز على وظائفك الجسدية، وحقيقة في هذا الزمن انشغل الناس بالمرض والأمراض وإتاحة فرص العلاج وسهولته والفحوصات وكذلك دخول الكثير من المعدات الإلكترونية مثل أدوات قياس الضغط والنبض وغيرها، والتي أصبحت متاحة لجميع الناس، وربما تكون في رأيي عقَّدت الأمور بعض الشيء بالرغم من الفوائد الجمة التي جلبتها للناس.

أنت مدرك تماماً وفي وعي حجم العلة التي تعاني منها، وأرجو أن أطمئنك وأذكر لك بكل صدق وأمانة أن هذه الحالة ليست خطيرة مطلقاً -بالرغم مما تسببه لك من إزعاج- فهي ليست مرضاً عقلياً وليست مرضاً ذهانيا ولا تحمل أيضاً سمات الاكتئاب بمعناه المعروف.

أرجو أن يكون هذا التفسير في حد ذاته مفيدا لك من الناحية العلاجية، وأرجو أن تحاول الاسترخاء قليلاً وذلك بممارسة تمارين الاسترخاء، خاصة تمارين التنفس المتدرجة، فأرجو أن تمارسها بصفة يومية، وهناك عدة طرق للقيام بهذه التمارين، ويمكن الاتصال بأي أخصائي نفسي ومن خلاله تستطيع أن تتدرب على هذه التمارين أو يمكنك الحصول على أحد الأشرطة أو الكتيبات المتوفرة في المكتبات لمعرفة كيفية القيام بهذه التمارين.

العلاج الدوائي يعتبر علاجاً جيداً وممتازاً، وأعتقد أن لديك الاستعداد الفطري للمخاوف – وهذا واضح جداً من الطريقة التي حدثت لك هذه الأعراض – سيكون من الأفضل والمستحسن أن تتناول الدواء لفترة طويلة، ولا مانع من أن تتناول (الزولفت لسترال) فهو دواء جيد، وأنت لديك تجربة إيجابية مع هذا الدواء جداً في الماضي، وجرعته هي 50 مليجرام ليلاً يمكن أن ترفع بعد شهر من بداية العلاج إلى حبتين في اليوم، وأرى أن تستمر على هذه الجرعة (حبتين) لمدة ستة أشهر، ثم بعد ذلك تتناول (حبة واحدة) لمدة ستة أشهر أخرى ثم تتوقف عن تناوله.

هناك علاج بديل يعرف باسم (سبراليكس) - أيضاً يفيد جداً في مثل حالتك - وجرعته هي 10 مليجرام ليلاً، ثم ترفع إلى 20 مليجرام ليلاً بعد شهر من بداية العلاج، واستمر عليها لمدة تسعة أشهر، ثم بعد ذلك خفضها إلى (حبة واحدة) 10 مليجرام يوميّاً لمدة ثلاثة أشهر، ثم توقف عن تناوله.

بالطبع لابد من مواصلة تمارين الاسترخاء ولابد من المواجهة في الخيال وذلك بمواجهة هذه المخاوف وتحقِّرها وتجري حواراً مع نفسك حتى تقتنع بأنها سخيفة وليس من الحكمة أن تسيطر عليك وأنه لديك ما هو أهم يمكنك القيام به، فيمكنك أن تشغل نفسك فيما هو مفيد من عمل وتنظيم الوقت، فهذا يفيد كثيراً.

التمارين الرياضية أيضاً جيدة وفعّالة جداً خاصة تمارين المشي أو الجري، بشرط ألا يقل ذلك عن أربعين دقيقة في اليوم، وهذا أيضاً وسيلة علاجية جيدة.

أود أن أنصحك بأن لا تقيس الضغط كثيراً ولا تراقب النبض، فأنت والحمد لله بصحة جيدة، وأنا أعرف أن هذا الأمر قد يصعب عليك، ولكن صدقني بالصبر وبالعزيمة وبالإصرار ألا تقيس الضغط ولا تراقب النبض تستطيع أن تتغلب على الكثير جداً من هذه الأعراض، وبالتأكيد بعد ممارستك تمارين الاسترخاء والرياضة سوف تجد أن القلق قد قلَّ جداً، وبالطبع سيكون الدواء أيضاً عاملاً مفيداً لك في تقليل هذه الأعراض حتى تنتهي - إن شاء الله – تماماً.

بالنسبة لهذه الأعراض أتوقع أنك ستستفيد كثيراً – كما ذكرت لك – من (الزولفت لسترال) أو (السبراليكس)، ولكن إذا كان تسارع القلب وزيادة النبضات مزعجة جداً فلا مانع أن تتناول دواء إسعافي يعرف باسم (إندرال)، يمكن أن يكون بمعدل 10 مليجرام صباحاً ومساء لمدة أسبوع، ثم بعد ذلك تستعمله عند اللزوم إذا كانت هنالك حاجة له.

لا بد أنك على علم تام أن الإنسان يجب أن يكون متوكلاً وأن يفوض أمره إلى الله ويسأل الله أن يحفظه ويعافيه من هذه الأعراض التي انتشرت في هذه الأيام، وهذا يعطي حافزاً علاجيّاً داخليّاً ويبعث على الكثير من الطمأنينة والارتياح.

أسأل الله لك الشفاء والعافية، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً