الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

رفضت الزواج لأجل رجل تحبه منذ صباها

السؤال

السلام عليكم عليكم ورحمة الله وبركاته ..

بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أنا فتاة متدينة جميلة ومتعلمة، أحببت في الماضي قبل تديني شاباً حباً لا يصدق، وكنت أخرج معه للنزهة ونراجع معاً، وأهلي وأهله على دراية بكل كبيرة وصغيرة، ولم يقع بيننا أي شيء.

ثم حين كبرنا تركني ولم يتقدم للزواج مني، وأنا الآن ما زلت أحبه وأرفض الزواج، وأريد أن أذهب إلى كندا للدراسة هرباً من الزواج لأنني لا أتصور نفسي متزوجة بغيره.

وتقدم لخطبتي شاب وهو رائع وحكيت له كل شيء ورفضته، فهل قراري صائب؟ وهل أنا مخطئة؟
هل رفضي للزواج هو حرام؟ وهل مواصلة حبه حرام؟ وهل الزواج وبقاؤه في قلبي حرام؟ لقد مللت الحياة!

أرجوكم انصحوني ولا تحيلوني لفتاوى مشابهة.

وشكراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخت الفاضلة/ إ حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

يسرنا أن نرحب بك في موقعك الشبكة الإسلامية، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا تواصلك معنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يغفر ذنبك وأن يستر عيبك وأن يتجاوز عن سيئاتك، وأن يمنَّ عليك بزوج صالح يكون عوناً لك على طاعته ورضاه وينسيك ما مضى من علاقات لا تُرضي الله تعالى.

كما لا يخفى عليك - أختي الكريمة - أن الإنسان منا في أول حياته إذا تعلق بشيء فإن هذه العلاقة تظل في قلبه فترة طويلة من الزمن خاصة إذا كان هذا المحبوب هو أول من تعلق القلب به، وهذا أمر لا يخصك أنت وحدك وإنما هو يشمل الناس جميعاً، فالحبيب الأول لا يُنسى حتى الأوطان فإن الوطن الذي ينشأ فيه الإنسان ويعيش في مضاربه ويلعب بين جدرانه يظل في ذهنه حتى وإن سكن ما سكن من أرض الله الواسعة.

وأنت قد تعلقت بهذا الشاب في الماضي، ونظراً لأنك لم تكوني مشغولة بغيره فقد أحببته حباً لا يصدق، إلا أنه - كما ذكرتِ – تركك ولم يتقدم للزواج منك بعد أن كبرتما، وذلك لاحتمال أن تكون العاطفة التي كانت في قلبه تجاهك عاطفة أخت لأخيها ولم تكن عاطفة زوج لزوجته، ولذلك لم يفكر فيك كزوجة له.

وهناك احتمال أيضاً أنه بحكم أنه اختلط بك وعاش معك وعرف عنك كل صغيرة وكبيرة رآك أنك لا تصلحي أن تكوني زوجة له.. هذا احتمال وارد أيضاً.

وهذا ثمن - بارك الله فيك – التساهل في مثل هذه العلاقات، فإن الفتاة المسكينة قد يتعلق قلبها بإنسان وتعطيه كل شيء، ثم بعد ذلك تفاجأ أنه يتخلى عنها لقناعته بأنها لا تصلح أن تكون زوجة له ولا أمّاً لأولاده؛ لأن الشيء السهل عادة ما يخيف الرجل؛ لأنه يقول: ومن أدراني أنها لم تقيم مثل هذه العلاقة مع غيري؟! ومن أدراني أنها لن تتلاعب بي بعد زواجها مني، ما دامت سهلة إلى هذا الحد فمن الممكن أن تكون كذلك مع غيري؟ وبذلك يفضل أن يتزوج غيرها حتى وإن كان لها ماضٍ إلا أنه لا يعرفه.

فأنت تدفعين ثمن تساهلك بفقدانك لهذا الحبيب الأول الذي أحببته حباً لا يصدق، وهذا عادة ما يعرف بشؤم المعصية، فإن المعصية شؤمها عظيم قد تحرم الإنسان من خير كثير كما حرم أبانا آدم عليه السلام في أول الأمر في الجنة بسبب مخالفته لأمر الله الذي أمره بعدم الأكل من الشجرة، فترتب عليه أن أُخرج آدم - عليه السلام – وأمنا حواء من الجنة إلى دار النصب والتعب، وهكذا كل معصية يقع فيها الإنسان قد يترتب عليها شؤم يلحقه في الدنيا أو في الآخرة.

أنت الآن - بارك الله فيك – ترفضين الزواج ممن يتقدم لك، وهذا خطأ فادح حقيقة، إلى متى ستظلين تعيشين الوهم وتعيشين على أحلام لا يمكن تحقيقها؟! فإن هذا الشاب تركك وتخلى عنك ولذلك أنت الآن سنك يتقدم وقطعاً سيتقدم يوماً بعد يوم، وهو لم يأتك إلى الآن لأنه لم يفكر في أن يتواصل معك، ولذلك كونك تحاولين الذهاب إلى كندا للدراسة هذا هروب من الواقع، وإلى متى ستهربين - أختي الكريمة - ؟! ستهربين اليوم أم غداً، ستهربين هذا الشهر أم الشهر القادم، ستهربين هذا العام أم العام الذي يليه؟ لابد لك من مواجهة الحقيقة.

ولقد وقعت – واسمحي لي أن أقول لك – في خطأ فادح وهو أنك رفضت هذا الشاب الرائع الذي تقدم لك، فهذا خطأ قاتل أيضاً، هل قرارك صائب؟ قطعاً أنت مخطئة مائة بالمائة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أوصانا بقوله: (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه)، فالواجب على الفتاة المسلمة وأهلها إذا تقدم لهم من يصلح للزواج منهم أن يوافقوا عليه، لماذا؟ لأن النبي - عليه الصلاة والسلام - حذر بقوله: ((إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض))، وفي رواية: ((وفساد كبير)) هذا الفساد قد لا يحدث للشاب وحده، وإنما يحدث للفتاة أيضاً، فأنت لو تقدم بك العمر ولم يتقدم لك أحد قد تتحولين إلى إنسانة كئيبة حزينة مهمومة بائسة يائسة قانطة من رحمة الله – والعياذ بالله – وتصبحين دماراً لنفسك وقد تنعكس تلك التصرفات السلبية على من معك أيضاً.

هل رفضك للزواج حرام؟ نعم حرام قطعاً وبلا خلاف ما دام قد جاءك الكفؤ الذي يصلح لك وتصلحين له فلا يجوز لك مخالفة أمر الله وهدي نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.

هل مواصلة حبي الأول حرام؟ قطعاً حرام لأنه وهم وخيال، الحب الأول قد انتهى وينبغي أن ينتهي - بارك الله فيك -.

هل الزواج وبقائه في قلبك حرام؟ هذه مسألة بيد الله تعالى، فإن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف شاء، وأقول: توكلي على الله واقبلي بأي شاب يتقدم إليك ما دام مستوفياً للشروط الشرعية والعرفية التي تعارف عليها الناس، فإذا كان كذلك فاستعيني بالله.

واعلمي أنه مع الأيام ستزول هذه المحبة، والذي جعل هذه المحبة في قلبك إلى الآن أنك لم تملئي هذا الفراغ، فهو مازال يتمدد في هذا الفراغ، ولذلك أقول لك: استعيني بالله، حتى وإن كنت متعلقة به إلا أنه قد تخلى عنك، فاقبلي الزوج المناسب الذي يأتيك وتضرعي إلى الله تعالى أن يعافيك من هذا التعلق، وأن يصرف عنك هذه المكائد الشيطانية وأن يجعلك زوجة صادقة وفية مع زوجك الذي سيتقدم لك تعطينه قلبك وتعطينه جسدك وتعطينه كل مشاعرك وعواطفك؛ لأنه أولى بذلك من غيره فهو زوجك الحلال الطيب.

أما هذا الماضي فسلي الله أن يعافيك منه، ورجائي ألا تقفي عنده طويلاً؛ لأنه لن يجر لك إلا الويلات والتعاسة والشقاء في الدنيا والآخرة.

أسأل الله أن يوفقك للصواب وأن يمنَّ عليك بزوج عاجل غير آجل، وأن يكرمك بزوج صالح طيب مبارك، وأن يشرح صدرك له، وأن يعافيك من التعلق بحبيبك السابق، وأن يملأ قلبك تعلقاً به جل جلاله ثم بزوجك الطيب المبارك الذي يأتيك في الحلال.

هذا وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً