الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بنى على السطح بموافقة أبيه وإخوته ثم مات الأب فاختلفوا

السؤال

قبل وفاة الوالدين رحمهما الله كان أبي قد وهبني سطح المنزل لأبني عليه بيتاً لي، علماً بأنه وعلى مدار سنوات يعرض نفس الأمر على جميع إخوتي رغبة منه بأن تقر عينه ببناء يجمعنا جميعاً ولكن ظروف خلاف قديم بين أخوي الكبيرين جعل الكل يتردد عن المبادرة في البناء ولذلك آثرت أن يكون ذلك بالتراضي مع إخوتي الستة وأخواتي الأربع وكلهم بالغون بل ويكبرونني سناً عدا عن أخت تصغرني، أرسلت لهم رسالة حيث كنت أعمل في بلد آخر برغبتي في قبول هبة الوالد بشرط أن يكونوا جميعاً موافقين عليها بل وطلبت منهم أن يوقعوا على رسالتي بالقبول أو النفي دون ذكر الأسباب موضحاً أن رفض أحدهم لن يزيده مني إلا قرباً وأن ذلك أبرأ لذمة أبي وذمتي، وكان أن وقع الجميع على طلبي بل وعرض علي البعض خلال إجازتي استعداده للمساعدة ولمست السعادة لدى أكثرهم أو على الأقل هذا ما بدا لي، قام أبي بإبرام وكالة لأحد إخوتي بسبب تعبه الصحي ليقوم بإجراءات الفرز والفراغ لبيتي الذي بنيته وقد كنت قد بدأت بالكساء وشاء الله أن تكون وفاة أبي ومن بعده أمي قبل تمام الإجراءات، وفاتهما كانت منذ أربع سنوات وأنا على مدار هذه المدة لم أستطع الحصول من إخوتي على إقرار بملكية البيت الذي بنيته رغم عروضي الكثيرة ومنها أن أدفع لهم ثمن السطح أو أن يشتري أي منهم ما بنيته من تعبي وغربتي بأقل من سعر التكلفة وغير ذلك ولكن دون جدوى بل إنهم وبالأخص الأخوان الكبيران يعارضون حتى اليوم أن يتم التفاهم بما يخص بيت الوالدين وهو الإرث الذي تركاه لنا رغم حاجة البعض من إخوتي وأخواتي إلى سهمه، علماً بأنني ومنذ البداية صرحت أني متنازل عن سهمي في بيت الوالدين بل ومستعد لمساعدة أي منهم إن أقدم على شرائه وبيت الإرث يساوي مبلغاً طيباً لموقعه ومساحته، سؤالي فتح الله عليكم:1) هل لي أن أكمل إكساء البيت والسكن فيه مع أسرتي إذا كان هناك واحد أو اثنان ممن يعارضون من إخوتي رغم أنهم ممن وافق قبل ذلك بل وشجعني على البناء وهل السياق الذي تمت به هبة الوالد يجعل لي الحق فيما بنيت؟2) إن لم يكن ذلك، فهل بعد صبر سنوات أربع ألام إذا تقدمت بشكوى لإزالة الشيوع من أجل بيع البيت وفي هذه الحال سيضم الذي بنيته إلى بيت الإرث إذ إن رخصة البناء باسم الوالد وذلك لغرض أن يأخذ كل منا حقه في الإرث وأنا قانع بأخذ حقي منقوضاً رغم أن ثمن البيت الذي بنيته ضعف ذلك الآن، وأقسم أنني وبفضل الله أحب أن أصل رحمي وكل ما أخشاه أن تثير الدعوى خلافاً مع البعض، وللعلم فإن جميع إخوتي وأخواتي يمتلكون والحمد لله منازل مع أسرهم عدا عن واحد وهو الذي يسكن مع زوجته في منزل الإرث وأحواله أيضاً ميسورة والحمد لله ولكن واحداً من أخوتي وللأسف امتلك بيتاً مؤخراً عن طريق القرض الربوي لأنه يأس من أن يحصل على نصيبه من الإرث وقد سعى لذلك كثيراً ولكن أعيد أن الأخوين الكبيرين يؤجلان تقاسم الإرث شرعاً وبالتراضي دون أي سبب لذلك؟ جزاكم الله كل خير.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فللرد على هذا السؤال تجدر الإشارة إلى ما يلي:

1- أن حرصك على صلة رحمك وأن لا تثير الدعوى والترافع عند المحاكم خلافاً بينك وبين إخوتك... هو من حسن النية، ومن الأخلاق الفاضلة التي يحسن بك أن تبقى عليها ما استطعت ذلك.

2- أن موافقة الإخوة على طلبك البناء على السطح قبل وفاة الوالد تعتبر من إسقاط الحق قبل وجوبه، وذلك غير لازم عند أهل العلم.

3- أن بيت الوالدين هو من جملة الإرث، وليس للأخوين الكبيرين فيه ولا في شيء من متروك الوالدين من الحق إلا بقدر نصيب كل منهما من التركة، وبالتالي فليس من حقهما الاستمرار في تأخير تقسيم التركة، بل الواجب أن يعطي لكل ذي حق حقه، ولا يؤخر شيء من ذلك إلا لموجب يقتضي التأخير.

4- أن قبولك تنفيذ رغبة الوالد والبناء على السطح لا يجعلك مالكاً لهذا السطح، وإنما يعتبر عارية، والعارية إذا انقضى أجلها أو ما يقتضيه العرف إذا لم تكن مؤجلة فإن من بنى فيها يكون له الحق في قيمة بنائه منقوضاً، ففي الدردير عند قول خليل في الهبة: لا بابن مع قوله داره... قال: أي لا تكون الهبة بقوله لولده ابن هذه العرصة داراً مع قوله أي الوالد: داره، أي دار ولدي، وكذا قوله: اركب الدابة مع قوله دابته لجريان العرف بذلك للأبناء مع عدم إرادة التمليك وكذا المرأة تقول ذلك لزوجها، بخلاف الأجنبي... ثم للولد أو الزوج الباني قيمة بنائه منقوضاً. انتهى.

وعليه، فالواجب أن تقوم الدار دون ما بنيته أنت، ثم يقوم بناؤك منقوضاً... فلو قيل مثلاً إن قيمتها قبل البناء 5000 وقيمة الأدوات التي يمكن الانتفاع بها من البناء 1000 كان سدسها خاصاً بك تستقل به دون الورثة، ثم تشاركهم الخمسة أسداس الأخرى، وقس على ذلك.. ولكن يجدر هنا أن نلاحظ أمراً، وهو أن هبة الأب السطح للابن إذا كان في عرف البلد يعتبر هبة وليس عارية فإن ذلك يعمل به لأن مثل هذا يعمل فيه بالعرف.

5- أن كون رخصة البناء باسم الوالد لا يمنعك مالك من الحق فيه، طالما أنه ثابت لك بالبينة أو اعتراف الورثة.

6- أن الذهاب إلى المحاكم في مثل هذه الحالة قد يكون متعيناً، لأن مثل هذه الحقوق المتداخلة لا يستطيع تمييزه إلا المحاكم المختصة، لكن ينبغي أن لا يغير ذلك ما يجب أن يكون بين الإخوة من التراحم والتفاهم... ونسأل الله أن يصلح أموركم ويوفقكم لما تستعيدون به وحدتكم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني