السؤال
في مكان عملي أنعم الله علينا بمسجد حيث نؤدي صلواتنا ولاحظت أن هناك بعض الأخوات يتيممن للصلاة علما أن الماء متوفر و يتحججن بأن الوقت المخصص للصلاة لا يسمح لهن بالوضوء و أن عليهن العودة سريعا للعمل، أرجو من فضيلتكم أن تشرحوا لنا متى يصح التيمم و هل الصلاة به في هذه الحالة صحيحة؟أرجو أيضا أن تستفيضوا في الإجابة لأني سأقوم بنشرها في المسجد حتى يتسنى للجميع الاستفادة؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا شك في أن هذا الفعلَ تساهلٌ قبيح وتفريطٌ منكر، فلا يجوزُ لمسلمٍ أن يتيمم مع وجود الماء والقدرة على استعماله بحال، وليسَ ما ذكره هؤلاء الأخوات هداهن الله بعذر مقبول يبيحُ لهن العدول عن استعمال الماء إلى التيمم، فليسَ الوضوء مما يستغرقُ وقتاً طويلاً يؤخرهن عن العمل، ولو قُدر ذلك ولم يستطعن الصلاة أثناء العمل بالوضوء فعليهن تأخير الصلاة حتى يرجعن إلى بيوتهن ما دمن يُصلين قبل خروج الوقت، فإن كان الوقت جميعاً يُستغرقُ في العمل ولا يستطعن الصلاة فيه بالوضوء، وهذا بعيدٌ جداً، فلا يجوز لهن البقاء في هذا العمل، فعلى هؤلاء الأخوات أن يتبن إلى الله عز وجل، وأن يقلعن عن هذا الأمر، وأن يقضينَ ما صلينه من صلواتٍ بالتيمم مع إمكان الوضوء لأنها وقعت باطلةً غير مسقطة للفرض.
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله عن من يتيمّم مع وجود الماء لديه فقال: هذا منكر عظيم يجب التنبيه عليه، وذلك لأن الوضوء للصلاة شرط من شروط صحتها عند وجود الماء كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ الآية.
وفي الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا تقبل صلاة أحدكم إذا أحْدث حتى يتوضأ.
وقد أباح الله سبحانه وتعالى التيمم وأقامه مقام الوضوء في حال فقد الماء، أو العجز عن استعماله لمرض ونحوه ، للآية السابقة، ولقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً.
وعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فصلى بالناس ، فإذا هو برجل معتزل، فقال: ما منعك أن تصلي؟ قال: أصابتني جنابة ولا ماء. قال: عليك بالصعيد فإنه يكفيك. متفق عليه .
ومن هذا يُعلم أن التيمم للصلاة لا يجوز مع وجود الماء والقدرة على استعماله، بل الواجب على المسلم أن يستعمل الماء في وضوئه وغسله من الجنابة أينما كان ، ما دام قادراً عليه ، وليس بمعذور في تركه والاكتفاء بالتيمم، وتكون صلاته حينئذ غير صحيحة لفقد شرط من شروطها وهو الطهارة بالماء عند القدرة عليه .
وكثير من أهل البادية ـ هداهم الله ـ وغيرهم ممن يذهب إلى النزهة يستعملون التيمم، والماء عندهم كثير، والوصول إليه ميسر، وهذا بلا شك تساهل عظيم وعمل قبيح لا يجوز فعله لكونه خلاف الأدلة الشرعية، وإنما يعذر المسلم في استعمال التيمم إذا بعُد عنه الماء، أو لم يبق عنده منه إلا اليسير الذي يحفظه لإنقاذ حياته وأهله وبهائمه مع بُعد الماء عنه، فالواجب على كل مسلم أينما كان أن يتقي الله سبحانه وتعالى في جميع أموره وأن يلتزم بما أوجب الله عليه، ومن ذلك الوضوء بالماء عند القدرة عليه، كما يلزمه أن يحذر ما حرّمه الله عليه، ومن ذلك التيمم مع وجود الماء والقدرة على استعماله. انتهى.
والله أعلم.