الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ممتلكات المفلس التي لا تباع لسداد دينه

السؤال

علي من الديون ما يقارب المليون جنيه، وقضيت فى السجن حكما، لعدم قدرتي على سداد هذه الديون، والآن لا أملك شيئا لسداد الديون سوى عقار أعيش من دخله، وليس لدي مصدر رزق آخر سواه، فكرت في بيعه، لأسدد ما علي، ولكن قيمته لا تتجاوز 150 ألف جنيه مصري، و ديوني تقارب مليون جنيه مصري، وهي مستحقة لعدد من الأشخاص. فماذا أفعل؟ هل أبيع العقار لأسدد جزءا مما علي؟ و في هذه الحالة، كم أدفع لكل دائن؟ وكيف أعيش دون دخل؟ علما أنني تجاوزت الستين عاما ولا أجد عملا مناسبا.
أرجو الافادة، وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فمن عليه دين لا يستطيع قضاءه وعُلم إعساره، فلا يجوز حبسه، قال الله تعالى: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ {البقرة: 280}.

وإذا أفلس المدين وكان عاجزاً عن سداد ديونه، وكان له ممتلكات زائدة عن الحاجات الأساسية كبيت وسيارة ونفقة له، فيجب عليه أن يبيع هذه الممتلكات ويسدد ما عليه من الديون، وراجع بعض أحكام الإعسار في الفتاوى التالية أرقامها: 12311 ، 22300، 35128 .

أما هذه الدار التي تؤجرها ولا نفقة لك إلا من إيجارها، فإذا كنت عاجزاً عن العمل والاكتساب كما هو الظاهر من سؤالك، فالذي يظهر لنا أن حكمها كحكم آلة الصانع ورأس مال التاجر، وهذه الأشياء تترك للمفلس لينفق منها على نفسه على قول الحنابلة، جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية ما ملخصه: يترك للمفلس من ماله ما يأتي : د ـ آلات الصانع: قال الحنابلة وبعض المالكية: تترك للمفلس آلة صنعته، ثم قال المالكية من هؤلاء: إنما تترك إن كانت قليلة القيمة، كمطرقة الحداد: وقال بعضهم: تباع أيضا. ونص الشافعية أنها تباع.هـ.

ـ رأس مال التجارة: قال الحنابلة وابن سريج من الشافعية : يترك للمفلس رأس مال يتجر فيه إذا لم يحسن الكسب إلا به، قال الرملي: وأظنه يريد الشيء اليسير، أما الكثير فلا، ولم نر نصا في ذلك للحنفية والمالكية. انتهـى.

وعلى هذا، فلا حرج في أن تحتفظ بهذه الدار لتنفق من إيجارها على نفسك، وإذا تيسر لك الحصول على عمل لزمك بيع هذه الدار، وإن لم يكف ثمنها لسداد جميع الديون فإنك تعطي لكل مدين نسبة من دينه عن طريق المحاصة، فإذا كانت قيمة الدار ربع قيمة الديون فإنك تعطي لكل دائن ربع دينه، هذا إذا لم يكن هناك سبب موجب لتقديم أحد الدائنين كأن يكون لأحد الدائنين رهن لازم.

وننصحك بأن تبين للدائنين أنك معسر وتطلب منهم أن يتجاوزوا عنك، ويمكنك أن تذكر لهم ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: كان رَجُلٌ يُدَايِنُ الناس فَكَانَ يقول لِفَتَاهُ إذا أَتَيْتَ مُعْسِرًا فَتَجَاوَزْعنه لَعَلَّ اللَّهَ يَتَجَاوَزُ عَنَّا فَلَقِيَ اللَّهَ فَتَجَاوَزَ عنه.

وما رواه مسلم أيضا عن عبد اللَّهِ بن أبي قَتَادَةَ: أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ طَلَبَ غَرِيمًا له فَتَوَارَى عنه ثُمَّ وَجَدَهُ فقال: إني مُعْسِرٌ فقال: آللَّهِ قال: آللَّهِ قال: فَإِنِّي سمعت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول: من سَرَّهُ أَنْ يُنْجِيَهُ الله من كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلْيُنَفِّسْ عن مُعْسِرٍ أو يَضَعْ عنه.

نسأل الله تعالى أن يفرج كربك، وأن يكفيك بحلاله عن حرامه، وأن يغنيك بفضله عمن سواه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني