الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

النبي صلى الله عليه وسلم بعث فقيراً وقبض غنياً

السؤال

هل يجوز القول بأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان فقيراً؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإنه لا يجوز هذا القول إن قصد به التنقيص من النبي صلى الله عليه وسلم ويؤدب قائله، فقد جاء في التاج والإكليل للمواق: قال مالك في رجل عيره رجل بالفقر: فقال أتعيرني بالفقر وقد رعى النبي صلى الله عليه وسلم الغنم، فقال مالك: عرض بذكر النبي صلى الله عليه وسلم في غير موضعه أرى أن يؤدب. انتهى.

ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن فقيراً من ناحية الواقع فقد امتن الله عليه بقوله: وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى { الضحى: 8}.

وقد ترك بعد موته بساتين وأموالاً بالمدينة وفدك، وقد كان من أدعيته صلى الله عليه وسلم المأثورة: اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى. رواه مسلم وغيره.

ومنها قوله صلى الله عليه وسلم في دعائه: اقض عنا الدين وأغننا من الفقر. رواه مسلم.

وفي سنن النسائي عن مسلم بن أبي بكرة: قال: كان أبي يقول في دبر الصلاة: اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر وعذاب القبر، فكنت أقولهن، فقال أبي: أي بني عمن أخذت هذا؟ قلت: عنك، قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقولهن في دبر الصلاة. قال الشيخ الألباني: صحيح الإسناد.

ولا يعارض هذا الحديث الذي رواه الترمذي وابن ماجه في سننه، عن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: اللهم أحيني مسكيناً وأمتني مسكيناً واحشرني في زمرة المساكين. فالمسكنة في دعائه صلى الله عليه وسلم إنما تعني: الذلة والافتقار إلى الله، إرشاداً لأمته إلى استشعار التواضع والاحتراز عن الكبر والنخوة، وفي معناه يقول المباركفوري في شرح الترمذي: فأراد صلى الله عليه وسلم بذلك إظهار تواضعه وافتقاره إلى ربه إرشاداً لأمته إلى استشعار التواضع والاحتراز عن الكبر والنخوة، وأراد بذلك التنبيه على علو درجات المساكين وقربهم من الله تعالى، قال الطيبي ـ رحمه الله ـ لكن لم يسأل مسكنة ترجع للقلة، بل للإخبات والتواضع والخشوع.

وفي النهاية في غريب الأثر: اللهم أحيني مسكيناً وأمتني مسكيناً واحشرني في زمرة المساكين ـ أراد به التواضع والإخبات وأن لا يكون من الجبارين المتكبرين.

وفي تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة: ومعنى المسكنة في قوله: احشرني مسكيناً ـ التواضع والإخبات كأنه سأل الله تعالى أن لا يجعله من الجبارين والمتكبرين ولا يحشره في زمرتهم، والمسكنة حرف مأخوذ من السكون يقال تمسكن الرجل إذا لان وتواضع وخشع وخضع، ومن الدليل على ما أقول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كان سأل الله عز وجل المسكنة التي هي الفقر لكان الله تعالى قد منعه ما سأله، لأنه قبضه غنياً موسراً بما أفاء الله عز وجل عليه وإن كان لم يضع درهماً على درهم، ولا يقال لمن ترك مثل بساتينه بالمدينة وأمواله ومثل فدك إنه مات فقيراً والله عز وجل يقول: أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى* وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى* وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى ـ والعائل الفقير كان له عيال، أو لم يكن، والمعيل ذو العيال كان له مال أو لم يكن، فحال النبي صلى الله عليه وسلم عند مبعثه وحاله عند مماته يدلان على ما قال الله عز وجل، لأنه بعث فقيراً وقبض غنياً، ويدل على أن المسكنة التي كان يسألها ربه عز وجل ليست بالفقر. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني