الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مذاهب العلماء في وقت بطلان طهارة صاحب السلس

السؤال

سمعت أن المصاب بالسلس ينتقض وضوؤه بدخول الوقت الثاني، لكن هل ينتقض وضوؤه بدخول الوقت الجديد الذي ليس فيه صلاة؟ فمثلا صلى بعد منتصف الليل ودخل ثلث الليل وهو في الصلاة، فهل يقطعها ويذهب ليعيد الوضوء، أو كأن يصلي العصر فاصفرت الشمس وهو في الصلاة، فهل ينتقض وضوؤه؟ اخترت هذين الوقتين لأسال عنهما، لأنني لم أجد أي إجابة عنهما، وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فنقول ابتداء: إن الفقهاء تعددت أقوالهم في وقت بطلان طهارة صاحب السلس على أربعة أقوال:
أولها: أنها تبطل بخروج الوقت سواء دخل وقت صلاة أخرى بعده أم دخل وقت آخر لا صلاة فيه, وهذا قول الشافعية والحنابلة وأبي حنيفة ومحمد بن الحسن ـ رحمة الله على الجميع ـ جاء في الموسوعة الفقهية: وَيُنْتَقَضُ الْوُضُوءُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ، وَأَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. اهــ.
الثاني: أن الطهارة تبطل بدخول وقت فريضة أخرى لا بدخول وقت لا فريضة فيه، فمن صلى الفجر لم ينتقض وضوؤه بشروق الشمس، وإنما بدخول وقت الظهر, وهذا قول زفر من الحنفية, وأحد الوجهين عند الحنابلة، جاء في الموسوعة: وَيُنْتَقَضُ عِنْدَ زُفَرَ بِدُخُول الْوَقْتِ. اهــ.

وقال المرداوي في الإنصاف: لا يبطل طهرها إلا بدخول الوقت، ولا يبطل بخروجه، وهذا أحد الوجهين، قال المجد في شرحه: وهو ظاهر كلام أحمد. اهــ.

الثالث: أن الطهارة تنتقض بواحد منهما بخروج الوقت أو بدخول وقت فرض آخر، وهذا قول أبي يوسف صاحب أبي حنيفة جاء في الموسوعة: وقال أبو يوسف: عند كلٍّ منهما، أي للاحتياط وهو قول أبي يعلى من الحنابلة.

الرابع: أن الطهارة لا تنتقض لا بخروج الوقت ولا بدخوله، وإنما يستحب تجديد الوضوء عند دخول الوقت، وهذا قول المالكية جاء في الموسوعة: أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ: فَعِنْدَهُمْ أَنَّ الْوُضُوءَ لاَ يُنْتَقَضُ. اهــ.

وثمرة الخلاف كما جاء في الموسوعة: وَثَمَرَةُ الْخِلاَفِ تَظْهَرُ فِي مَوْضِعَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يُوجَدَ الْخُرُوجُ بِلاَ دُخُولٍ، كَمَا إِذَا تَوَضَّأَتْ فِي وَقْتِ الْفَجْرِ ثُمَّ طَلَعَتِ الشَّمْسُ، فَإِنَّ طَهَارَتَهَا تُنْتَقَضُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لِوُجُودِ الْخُرُوجِ، وَعِنْدَ زُفَرَ وَأَحْمَدَ لاَ تُنْتَقَضُ، لِعَدَمِ دُخُول الْوَقْتِ، لأِنَّ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إِلَى الظُّهْرِ لَيْسَ بِوَقْتِ صَلاَةٍ، بَل هُوَ وَقْتٌ مُهْمَلٌ.

وَالثَّانِي: أَنْ يُوجَدَ الدُّخُول بِلاَ خُرُوجٍ، كَمَا إِذَا تَوَضَّأَتْ قَبْل الزَّوَال ثُمَّ زَالَتِ الشَّمْسُ، فَإِنَّ طَهَارَتَهَا لاَ تُنْتَقَضُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، لِعَدَمِ الْخُرُوجِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ وَأَحْمَدَ تُنْتَقَضُ، لِوُجُودِ الدُّخُول فَلَوْ تَوَضَّأَتْ لِصَلاَةِ الضُّحَى أَوْ لِصَلاَةِ الْعِيدِ فَلاَ يَجُوزُ لَهَا أَنْ تُصَلِّيَ الظُّهْرَ بِتِلْكَ الطَّهَارَةِ، عَلَى قَوْل أَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ وَأَحْمَدَ، بَل تُنْتَقَضُ الطَّهَارَةُ لِدُخُول وَقْتِ الظُّهْرِ، وَأَمَّا عَلَى قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ فَتَجُوزُ، لِعَدَمِ خُرُوجِ الْوَقْتِ.

وقد أطلنا في توضيح هذا ـ وإن كان خارجا عما سألت عنه ـ لتبيين أن مسألتك ليست من هذا القبيل، فمن توضأ وصلى في منتصف الليل فإن وضوءه لا ينتقض بدخول ثلث الليل، لأن الوقت واحد، وإنما خص الثلث الأخير لمزيد تشريف فيه حيث ينزل ربنا إلى سماء الدنيا وليس لأنه وقت آخر, وكذا اصفرار الشمس ليس هو وقت خروج العصر، فلا يبطل وضوء دائم الحدث باصفرار الشمس، لأن وقتها يمتد إلى الغروب، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ. رواه مالك والشيخان.

وانظر للفائدة الفتويين رقم: 134802, ورقم: 124150.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني