الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل التصدق عن الأب المتوفى خير من التصدق عن النفس

السؤال

سمعت من أحد الدعاة أن صدقتك عن والدك المتوفى خير لك من صدقتك عن نفسك حيث هي عن نفسك صدقة وعن والدك صدقة وصلة فكأنك تنال أجرين فهي خير لك مضاعف ولوالدك صدقة فالفرق كبير -كما يقول- لا سيما وأن الله قرن بين عبادته وبرك بوالديك في غير ما موضع والله أعلم؟ فما قولكم؟ بارك الله فيكم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن التصدق عن الوالد المتوفى مستحب وهو من بره والإحسان إليه بعد موته مثل الاستغفارله والدعاء له وقضاء ديونه ، ففي حاشية الصاوي على الشرح الصغير في الفقه المالكي :وَيُسْتَحَبُّ التَّصَدُّقُ عَنْ الْوَالِدَيْنِ وَيَنْتَفِعَانِ بِهَا كَالدُّعَاءِ وَالْقِرَاءَةِ . انتهى وفي فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء : يستحب التصدق عن الوالدين، والحج والعمرة عنهما؛ لورود الأدلة بذلك عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مثل قوله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعوله . أما ما ذكر من أن التصدق عنه خير من التصدق عن النفس فلم نجد من ذكره من أهل العلم وقد اختلف العلماء في حكم إيثار الغير بالقرب فالكثير منهم على أن الإيثار بالقرب مكروه وقيل خلاف الأولى ، وانتصر ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد للقول بجوازه . كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 59691 ، وما علل به تفضيل الصدقة على الوالد من أن الصدقة عليه تجمع بين الصلة والصدقة ، يحصل بإشراكه في الأجر ففيه الصدقة عن النفس والوالد والصلة أيضا ، والإشراك في الأجر جائز، بل ذكر بعض العلماء أن الأفضل في صدقة النفل أن يعم بنيته جميع المؤمنين والمؤمنات فإن ذلك يصلهم ولا ينقص من أجر المتصدق شيئا ، قال ابن عابدين : والأفضل لمن يتصدق نفلاً أن ينوي لجميع المؤمنين والمؤمنات، لأنها تصل إليهم، ولا ينقص من أجره شيء. انتهى ، بل لو نوى الصدقة عن الغير ، فإنه يقع له مثل أجره كما بينا ذلك في الفتوى رقم: 52897.
ولمزيد الفائدة نذكر هنا بعض كلام أهل العلم في هذا المجال قال ابن رجب في فتح الباري عند شرح حديث : ((لا يقيم الرجل [الرجل] من مجلسه فيجلس فيه، ولكن تفسحوا توسعوا)) .
:وأما إن تأخر السابق باختياره، فهل يكره، أم لا؟ فيه قولان، مبنيان على جواز الايثار بالقرب. وظاهر كلام الامام أحمد كراهته ، حتى في حق الابن مع أبيه ، وحكى عنه جوازه - أيضا. انتهى وفي لقاء الباب المفتوح للشيخ محمد بن صالح العثيمين بعد أن ذكر عدم جواز الإيثار بالقربة الواجبة مثل ما الطهارة :
وأما الإيثار بالمستحب فالأصل فيه أنه لا ينبغي ، بل صرح بعض العلماء بالكراهة ، وقالوا: إن إيثاره بالقرب يفيد أنه في رغبة عن هذه القرب، لكن الصحيح أن الأولى عدم الإيثار، وإذا اقتضت المصلحة أن يؤثر فلا بأس، مثل أن يكون أبوه في الصف الثاني وهو في الصف الأول، ويعرف أن أباه من الرجال الذين يكون في نفوسهم شيء إذا لم يقدمهم الولد، فهنا نقول: الأفضل أن تقدم والدك، أما إذا كان من الآباء الطيبين الذين لا تهمهم مثل هذه الأمور فالأفضل أن يبقى في مكانه، ولو كان والده في الصف الثاني، وكذلك بالنسبة للعالم..انتهى وقال النووي في شرح صحيح مسلم عند الكلام على ما روت عائشة رضي الله عنها . أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن أمي افتُلِتت نفسُها وإني أظنها لو تكلمت تصدقت، فلي أجر أن أتصدق عنها؟ قال: نعم.: قال : وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ الصَّدَقَةِ عَنْ الْمَيِّتِ وَاسْتِحْبَابُهَا وَأَنَّ ثَوَابَهَا يَصِلُهُ وَيَنْفَعُهُ وَيَنْفَعُ الْمُتَصَدِّقَ أَيْضًا وَهَذَا كُلُّهُ أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ . انتهى ، وللفائدة انظر الفتوى رقم : 71095.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني