الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم من فعل شيئا يعلم حرمته ولا يعلم ما يترتب عليه

السؤال

في فتوى ابن تيمية بخصوص من أتى بناقض من نواقض الصلاة أو الصيام جاهلًا, فلا يجب عليه الإعادة، فهل كان الشيخ يقصد الجهل بالحكم نفسه أو ما يترتب عليه؟ مثلًا شخص أتى بناقض للصيام, وهو يعلم بحرمته, ولكن لا يعلم أنه مفسد لصومه, أو أتى بناقض للصلاة, وهو يعلم بحرمته جاهلًا بوجوب الاغتسال مثلًا، فهنا هل يلزمه القضاء أم لا؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

قال شيخ الإسلام: والأظهر أنه لا يجب قضاء شيء من ذلك، ولا يثبت الخطاب إلا بعد البلاغ؛ لقوله تعالى: لأنذركم به ومن بلغ، وقوله: وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ـ ولقوله: لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ـ ومثل هذا في القرآن متعدد، بين سبحانه أنه لا يعاقب أحدًا حتى يبلغه ما جاء به الرسول، ومن علم أن محمدًا رسول الله فآمن بذلك, ولم يعلم كثيرًا مما جاء به لم يعذبه الله على ما لم يبلغه، فإنه إذا لم يعذبه على ترك الإيمان بعد البلوغ، فإنه لا يعذبه على بعض شرائطه إلا بعد البلاغ أولى وأحرى، وهذه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم المستفيضة عنه في أمثال ذلك .. إلى أن قال: ولما فرض شهر رمضان في السنة الثانية من الهجرة، ولم يبلغ الخبر إلى من كان بأرض الحبشة من المسلمين، حتى فات ذلك الشهر، لم يأمرهم بإعادة الصيام.

وهذا الكلام - كما هو واضح - في عدم العلم، وأما من علم التحريم، ولم يعلم ما يترتب عليه، فغير معذور عند شيخ الإسلام؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب الإيمان: ...(لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم، إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين)، فدل على أنهم لم يكونوا عند أنفسهم قد أتوا كفرًا، بل ظنوا أن ذلك ليس بكفر، فبين أن الاستهزاء بالله وآياته ورسوله كفر يكفر به صاحبه بعد إيمانه، فدل على أنه كان عندهم إيمان ضعيف، ففعلوا هذا المحرم الذي عرفوا أنه محرم، ولكنهم لم يظنوه كفرًا, وكان كفرًا كفروا به, فَإِنَّهُمْ لَمْ يَعْتَقِدُوا جَوَازَهُ وَهَكَذَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ السَّلَفِ.. انتهى
الفرق بينهما أن الأول جهل بحرمة الفعل, والثاني جهل بما يترتب عليه، راجع الفتوى:138631.

وعليه: "فشخص أتى بناقض للصيام وهو يعلم بحرمته ولكن لا يعلم أنه مفسد لصومه" يفسد صومه، راجع الفتوى: 204817، فمن علم تحريم الزنا مثلًا ، ولم يعلم الحد ضُرِب الحد، بخلاف من لم يعلم التحريم أصلًا فلا حد عليه، قال العلامة العثيمين في شرح كشف الشبهات: ومن أهم الشروط أن يكون عالمًا بمخالفته التي أوجبت كفره؛ لقوله تعالى: (ومن يشاقق الرسول من بعدما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرًا) {سورة النساء: 115} فاشترط للعقوبة بالنار أن تكون المشاقة لرسول من بعد أن يتبين الهدى له, ولكن هل يشترط أن يكون عالمًا بما يترتب على مخالفته من كفر أو غيره أو يكفي أن يكون عالمًا بالمخالفة وإن كان جاهلًا بما يترتب عليها؟

الجواب: الثاني؛ أي أن مجرد علمه بالمخالفة كاف في الحكم بما تقتضيه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أوجب الكفارة على المجامع في نهار رمضان لعلمه بالمخالفة مع جهله بالكفارة؛ ولأن الزاني المحصن العالم بتحريم الزنا يرجم وإن كان جاهلًا بما يترتب على زناه، وربما لو كان عالمًا ما زنا.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني