الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

التصاوير ما يحرم منها وما لا يحرم

السؤال

رقم الحديث: 3005، وهو حديث مرفوع: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنَا عَمْرٌو، أَنَّ بُكَيْرَ بْنَ الْأَشَجّ حَدَّثَهُ، أَنَّ بُسْرَ بْنَ سَعِيدٍ حَدَّثَهُ، أَنَّ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ الْجُهَنِيَّ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ حَدَّثَهُ، وَمَعَ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عُبَيْدُ اللَّهِ الْخَوْلَانِيُّ الَّذِي كَانَ فِي حَجْرِ مَيْمُونَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَهُمَا زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ، أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ حَدَّثَهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ، قَالَ: بُسْرٌ فَمَرِضَ زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ فَعُدْنَاهُ، فَإِذَا نَحْنُ فِي بَيْتِهِ بِسِتْرٍ فِيهِ تَصَاوِيرُ، فَقُلْتُ لِعُبَيْدِ اللَّهِ الْخَوْلَانِيِّ أَلَمْ يُحَدِّثْنَا فِي التَّصَاوِير، فَقَالَ: إِنَّهُ قَالَ: إِلَّا رَقْمٌ فِي ثَوْبٍ أَلَا سَمِعْتَهُ؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: بَلَى قَدْ ذَكَرَهُ ـ فبعض العلماء استلد بهذا الحديث الذي ورد في البخاري ومسلم إلى أنه يجوز الرسم على الثوب وعلى الأسطح الملساء ـ ثنائي الأبعاد ـ والتحريم فقط للصور المجسمة وللصور التي تظهر العورات وما هو محرم، رقم الحديث: 3945، وهو أيضا حديث مرفوع: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، قال: سَمِعْتُ الْقَاسِمَ يُحَدِّثُ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ كَانَ لَهَا ثَوْبٌ فِيهِ تَصَاوِيرُ مَمْدُودٌ إِلَى سَهْوَةٍ، فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي إِلَيْهِ، فَقَالَ: أَخِّرِيهِ عَنِّي، قَالَتْ: فَأَخَّرْتُهُ فَجَعَلْتُهُ وَسَائِدَ ـ وحدثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَعُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَامِرٍ، ح، وحدثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ جَمِيعًا، عَنْ شُعْبَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِـ فهل يفهم من هذا الحديث أنه إذا كان الرسم غير مكتمل فهو جائز كأن يكون للنصف العلوي فقط، أو للنصف السفلي؟ وما هو الدليل على تحريم رسم وجه ذوات الأرواح بالرغم من أنه رسم غير كامل.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فهذان الحديثان اللذان ذكرت في سؤالك حدثيان صحيحان؛ ورد الأول منهما في صحيحي البخاري ومسلم وغيرهما، وورد الثاني في صحيح مسلم وغيره.. وفي الأول منهما دلالة على تحريم الصور عامة، إلا أن كلمة: إلا رقما في ثوب ـ اختلف العلماء في المراد منها، فقال بعضهم بأن المراد باستثناء الرقم في الثوب ما كانت الصورة فيه من غير ذوات الأرواح كصورة الشجرة جمعا بين الأحاديث المانعة من الصورة وبين هذا اللفظ، وهذا اختيار النووي، وقال الحافظ ابن حجر في قوله: إلا ما كان رقما في ثوب ـ يحتمل أن يكون ذلك قبل النهي، كما يدل عليه حديث أبي هريرة رضي الله عنه. اهـ.

أما الحيث الثاني: فاستدل به كثير من العلماء على جواز استعمال الصور الممتهنة، وهو المفتى به عندنا، وانظر الفتويين رقم: 33796، ورقم: 236938.

وخلاصة الكلام في شأن الصور عموما أن الحكم فيها يختلف بحسب نوعها على النحو التالي:

1ـ الصور المجسمة: وهذه محرمة باتفاق، بل حكى النووي الإجماع على ذلك، كما أسلفنا في الفتوى رقم: 112427

ويستثنى من ذلك لعب البنات، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 183639.

2ـ الصور من ذوات الأرواح المكتملة، وفيها ثلاثة أقول، جاء في الموسوعة الفقهية ما نصه بتصرف:

القول الأول: أنها غير محرمة، ذكر ذلك الألوسي في تفسيره.

القول الثاني: وهو مذهب المالكية وبعض السلف, ووافقهم ابن حمدان من الحنابلة, أنه لا يحرم من التصاوير إلا ما جمع الشروط الآتية:

الشرط الأول: أن تكون صورة الإنسان أو الحيوان مما له ظل, أي تكون تمثالا مجسدا, فإن كانت مسطحة لم يحرم عملها, وذلك كالمنقوش في جدار, أو ورق, أو قماش، بل يكون مكروها.

الشرط الثاني: أن تكون كاملة الأعضاء, فإن كانت ناقصة عضو مما لا يعيش الحيوان مع فقده لم يحرم, كما لو صور الحيوان مقطوع الرأس أو مخروق البطن أو الصدر.

الشرط الثالث: أن يصنع الصورة مما يدوم من الحديد أو النحاس أو الحجارة أو الخشب أو نحو ذلك, فإن صنعها مما لا يدوم كقشر بطيخ أو عجين لم يحرم، لأنه إذا نشف تقطع، على أن في هذا النوع عندهم خلافا, فقد قال الأكثر منهم: يحرم ولو كان مما لا يدوم.

القول الثالث: أنه يحرم تصوير ذوات الأرواح مطلقا, أي سواء أكان للصورة ظل أو لم يكن، وهو مذهب الحنفية والشافعية والحنابلة. اهـ.

وهو المفتى به عندنا، وانظر الفتوى رقم: 100299.

3ـ صور ذوات الأرواح الغير مكتملة: وهذه تجوز إن كانت ناقصة عضوا من الأعضاء الظاهرة مما لا يعيش الحيوان بدونه، وانظر الفتوى رقم: 177581.

4ـ صور غير ذوات الأرواح كالشجر والبناء ونحو ذلك، وهذه مباحة عند جمهور أهل العلم، وراجع الفتوى رقم: 242170.

5ـ الصور الخيالية لذوات الأرواح: أي التي لا مثيل لها في الواقع، وهذه حكمها حكم ذوات الأرواح، كما أشرنا في الفتوى رقم: 34635.

وقد جاء في الموسوعة الفقهية: ينص الشافعية على أن الصور الخيالية للإنسان أو الحيوان داخلة في التحريم، قالوا: يحرم, كإنسان له جناح, أو بقر له منقار, مما ليس له نظير في المخلوقات، وكلام صاحب روض الطالب يوحي بوجود قول بالجواز، وواضح أن هذا في غير اللعب التي للأطفال, وقد ورد في حديث عائشة رضي الله عنها: أنه كان في لعبها فرس له جناحان, وأن النبي صلى الله عليه وسلم ضحك لما رآها حتى بدت نواجذه. اهـ.

وراجع الفتوى رقم: 97357، وما أحيل عليه فيها.

وبخصوص طلبك دليلا على تحريم رسم وجه ذوات الأرواح، فقد تقدم أن صور ذوات الأرواح إن كانت غير مكتملة لا تحرم، ورسم الوجه فقط داخل في هذا النوع، وذهب بعض أهل العلم إلى تحريم رسم الوجه وأن حكمه ليس كسائر البدن، وانظر الفتوى رقم: 179687.

وراجع للمزيد حول ذلك الفتويين رقم: 222169، ورقم: 153993.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني