الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يجب إخراج كفارة الصيام من الميراث

السؤال

امرأة وضعت نقودًا عند زوجة حفيدها، وأوصتها أن تعطيها لولدها بعد وفاتها، ولا يعلم أحد بأمر هذه النقود سواهما، ثم مرضت المرأة مرضًا شديدًا، وقبل وفاتها بيومين قالت لهم: "حاسبوا من حقي". ولا يعلمون ماذا تقصد بكلامها هذا.
زوجة الحفيد تقول بأنها تعلم أنه لا دَين عليها لأحد، لكنها لم تصم أيامًا من رمضان لمرضها الشديد، والآن هي تريد أن تطعم عن الأيام التي لم تصمها من مالها الذي تركته بدون علمهم، ثم تعطي ولدها ما تبقى من المال، فهل يجوز لها أن تفعل هذا؟ علمًا أن هذه المرأة لها ولد وابنتان.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:

فالسؤال يكتنفه شيء من الغموض بسبب عدم ظهور بعض الكلمات أثناء الطباعة، والذي فهمناه من السؤال هو أن المرأة مرضت ولم تصم، وأنها أوصت بمال لولدها، والسائلة تسأل: هل تطعم عنها بسبب الفطر من ذلك المال؟
فإن كان هذا هو المراد؛ فإنها إذا أفطرت واتصل مرضها بحيث لم تتمكن من القضاء، فإنه لا يُصام عنها بعد مماتها، ولا يطالب الورثة بإخراج الكفارة؛ جاء في الموسوعة الفقهية: لَوْ أَفْطَرَ بِعُذْرٍ وَاتَّصَل الْعُذْرُ بِالْمَوْتِ، فَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يُصَامُ عَنْهُ، وَلاَ كَفَّارَةَ فِيهِ؛ لأِنَّهُ فَرْضٌ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ فِعْلِهِ إِلَى الْمَوْتِ، فَسَقَطَ حُكْمُهُ، كَالْحَجِّ ... اهـ.

أما إذا تمكنت من القضاء ولم تقض حتى ماتت، فإنه يخرج من تركتها ما يُطعم به مسكين عن كل يوم أفطرته، وهذا مذهب الحنابلة، والمشهور عن الشافعية؛ جاء في الموسوعة الفقهية: لِلْحَنَابِلَةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي الْمَشْهُورِ مِنَ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ أَنْ يُطْعِمَ عَنْهُ لِكُل يَوْمٍ مِسْكِينًا، سَوَاءٌ أَوْصَى بِذَلِكَ أَوْ لَمْ يُوصِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَائِشَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ-، وَبِهِ قَال اللَّيْثُ، وَالأْوْزَاعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَابْنُ عَلِيَّةَ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَغَيْرُهُمْ ... اهـ.

وتكون الكفارة من رأس المال، وليس من ثلث الوصية حتى وإن أوصت بها؛ قال صاحب الروض: وإن مات بعد أَن أَخره لعذر فلا شيء عليه، ولغير عذر أَطعم عنه لكل يوم مسكين ... ولو بعد رمضان آخر لأَنه بإخراج كفارة واحدة زال تفريطه، والإطعام من رأس ماله، أَوصى به أو لا ....
وعلى هذا؛ فيُخرج من التركة قبل تنفيذ الوصية وقبل أخذ الورثة نصيبهم الشرعي كفارة عن كل يوم أفطرته؛ لأن هذا دَين، وهو مقدم على الوصايا، وعلى حق الورثة في المال.

وأما المال الذي أوصت به لولدها: فإنه يجب على تلك المرأة أن تخبر سائر الورثة به بأن الميتة أعطتها مالًا، وأوصتها بدفعه لولدها بعد مماتها، ويُخير الورثة بين إمضاء وصيتها أو عدم إمضائها وأخذ نصيبهم من ذلك المال؛ لأن الوصية لولدها بشيء من مالها هي وصية لوارث، والوصية للوارث ممنوعة شرعًا، ولا تمضي إلا برضا بقية الورثة، كما بيناه في الفتوى رقم: 121878، والفتوى رقم: 170967.

والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني