الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الحكمة من الدعوة إلى الإسلام

السؤال

لماذا ندعو إلى الإسلام مع أن الذين لم تصلهم الرسالة الإسلامية معذورون؟ بحيث إن وصلتهم الدعوة ولم يؤمنوا بها وجب عليهم الكفر؟.
وشكرا لكم.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنحن ندعو للإسلام امتثالا لأمر الله لنا ببلاغ الدين وتبيينه للناس، كما قال تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ {آل عمران:187}.

وقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم هاديا ومبشرا ونذيرا، والواجب على من ورث علمه ودعوته أن يكون له نصيب مما دعا إليه إذا كان تابعا له حقا، كما قال تعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي {يوسف:108}.

وقد أمرنا الله بالدعوة إليه، وأخبر أن مناط الخيرية في هذه الأمة هو الأمر بالمعروف، والذي أعلاه التوحيد، والنهي عن المنكر والذي أعلاه الشرك، قال تعالى: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {آل عمران:104}.

وقال تعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ {النحل:125}.

وفي الدعوة إلى الله من الأجور الحاصلة للدعاة ما لا يحيط به إلا الله، كما قال تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ {فصلت:33}.

وثبت أن من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، فكيف يسأل مسلم بعد هذا كله عن سبب الدعوة إلى الإسلام، ثم إن المدعوين إلى الإسلام منهم من قامت عليهم الحجة، وسمعوا بمبعث النبي صلى الله عليه وسلم، وهم عامة الكفار، فنحن مأمورون بأن نبين لهم محاسن هذا الدين ودلائل صدق النبي صلى الله عليه وسلم لعل فطرة واحد منهم تستيقظ فيتابع الحق، وهؤلاء كفار مخلدون في النار لكون الدعوة قد بلغتهم، فنحن نسعى في استنقاذهم من الخلود في العذاب، وأما من لم تبلغهم الدعوة أصلا، فهؤلاء كفار في أحكام الدنيا، وأما في الآخرة فالراجح أنهم يمتحنون في عرصات القيامة بأن يوقد الله نارا ويأمرهم بدخولها، فمن دخلها نجا، ومن امتنع عن دخولها هلك، كما دلت على ذلك أحاديث كثيرة ساقها الحافظ ابن كثير في تفسير قوله تعالى: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا {الإسراء:15}.

وبه تعلم أن دعوة هؤلاء لا تضرهم كما تصورت، بل تنفعهم، فيؤمن منهم من كتب الله له السعادة والفلاح في الدنيا والآخرة، وإيضاحه أن ترك هؤلاء بغير دعوة ليس معناه القطع بنجاتهم كما توهمته، ولكنهم يمتحنون في القيامة كما أسلفنا، والحاصل أن من عرف الإسلام وفضله، واطلع على محاسنه لا يجمل به أن يسأل مثل هذا السؤال، فإنه يكره الكفر بالله تعالى، ويحب أن يزول الكفر من الأرض كلها، ولذا فإن أكبر همه هو الدعوة إلى الله على بصيرة وبيان الحق للخلق، ومحاولة استنقاذهم من براثن الضلال.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني