الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مسائل من جوامع الكلم

السؤال

- (دع ما يريـبـك إلى ما لا يـريـبك) ما معنى ذلك؟ - إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: (إذا لم تستح فاصنع ما شئت) ما معنى ذلك؟ - (كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها) ما معنى ذلك؟- (لا ضرر ولا ضرار) ما معنى ذلك؟- (لو يعطى الناس بدعواهم لادعى رجال أموال قوم ودماءهم لكن البينة على المدعي واليمين على من أنكر) ما معنى ذلك؟- (ومن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه) ما معنى ذلك؟ - (ألحقوا الفرائض بأهلها فما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر) ما معنى ذلك؟ - (الرضاعـة تـحـرم ما تـحـرم الولادة) ما معنى ذلك؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

- فقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك".
رواه الترمذي والنسائي من حديث أمير المؤمنين الحسن بن علي رضي الله عنهما.
ومعناه -والله أعلم-: اترك ما يوقعك في الشك والريبة لخفاء حكمه واشتباهه، واتجه إلى الأمر الذي لا يوقعك في الشك والشبهة لوضوح حكمه وبيان أمره.
قال العلماء: إذا اشتبه على المسلم حل شيء وحرمته، فينبغي له أن يتركه إلى ما هو ظاهر الحل الذي لا ريب فيه ولا شك، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: "فمن اتقى الشبهات، فقد استبرأ لدينه وعرضه".
- وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "إن مما أدرك الناس من كلام النبؤة...إلخ" فقد رواه البخاري.
ومعنى أدركوه: توارثوه جيلاً بعد جل عبر القرون عن الأنبياء السابقين، ومعنى "فاصنع ما شئت" قيل: معناه التهديد لمن لم يكن عنده حياء، ويرتكب المعاصي كأنه لا يبالي، فهو كقوله تعالى: (اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ) وقيل معناه: أنه على ظاهره، فإذا كان الفعل لا يستحيى منه من جهة الشرع فلا مانع من فعله.
- وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "... كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها..." فقد رواه مسلم من حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه.
ومعناه -والله أعلم-: أن كل إنسان في هذه الحياة يكدح لتحصيل منافعه وأغراضه وتحقيق أهدافه، وفي سبيل هذا الكدح ينقضي عمر الإنسان، ويلقى ربه، ونتيجة الكدح بعد ذلك مختلفة، فمن قضى عمره في طاعة الله عز وجل، فقد باع نفسه لله تعالى وأعتقها من غضبه وعقابه، ومن قضى عمره في معصية الله تعالى، فقد باع نفسه للشيطان وهوى النفس وأوبقها بالآثام الموجبة لغضب الله وعقابه.
- وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر ولا ضرار" فقد رواه مالك في الموطأ.
ومعناه -والله أعلم-: أنه لا يجوز لأحد أن يدخل الضر على نفسه أو على غيره.
وأما أخذ الشخص وعقابه بما يستحق، لأنه اقترف جريمة أو تعدى حداً من حدود الله تعالى، فليس من هذا الباب، لأنه من باب العدل والوفاء بحقوق الله تعالى فلا يتناوله الحديث.
- وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "لو يعطى الناس بدعواهم....الحديث" فقد رواه البيهقي، وله أصل في الصحيحين.
قال العلماء معناه: لو يعطى الناس ما يطلبونه بمجرد إخبارهم عن لزوم حق لهم على الآخرين دون طلب بينة منهم لادّعى رجال أموال قوم ودماءهم، وأخذوها بمجرد الدعوى طمعاً وجمعاً وحباً للتملك، ولسفكوا دماءهم حقداً عليهم وعداوة لهم، فالشرع لا يُمكن أحداً مما ادعى بمجرد الدعوى، ولكنه فرض إقامة البينة التي تدل على صحة الدعوى وصدق المدعي، فقال صلى الله عليه وسلم: "ولكن البينة على المدعي، واليمين على من أنكر".
- وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "ومن بطَّأ به عمله لم يسرع به نسبه" فقد رواه مسلم في صحيحه.
قال النووي معناه: من كان عمله ناقصاً لم يلحقه بمرتبة أصحاب الأعمال، فينبغي ألا يتكل على شرف النسب وفضيلة الآباء.
وقال بعض أهل العلم: من قصر به عمله عن الوصول إلى درجات الصالحين لم ينفعه حسبه ونسبه، ولو انتسب إلى النبيين والصديقين.
- وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "ألحقوا الفرائض بأهلها..." فقد رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
ومعناه -والله أعلم-: الأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم بتقسيم مال الميت على أصحاب الفرائض الذين جاء ذكرهم في كتاب الله تعالى، فإذا بقي شيء من المال عن أصحاب الفرائض أعطي لأقرب ذكر من عصبة الميت، وإذا لم يبق شيء بعد الفرائض فلا شيء للعصبة.
- وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة" فقد رواه البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها.
ومعناه -والله أعلم-": أن الرضاعة يباح بها ما يباح بالنسب، ويحرم بها ما يحرم بالنسب، أي: أنها تكون بمنزلته إلا في أمور نص عليها العلماء.
قال النووي: الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة.
أي: وتبيح ما تبيح، وهو بالإجماع فيما يتعلق بتحريم النكاح وتوابعه، وانتشار الحرمة بين الرضيع وأولاد المرضعة، وتنزيلهم منزلة الأقارب في جواز النظر والخلوة والمسافرة، ولكن لا يترتب عليه باقي أحكام الأمومة من التوارث ووجوب الإنفاق.
والحاصل أن هذه الأحاديث التي سألت عنها من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم، وتتضمن من المعاني والأحكام ما لا يتسع المقام لذكره، ولهذا ذكرها النووي في أربعينه، وابن رجب في خمسينه، وننصحك بالرجوع إلى جامع العلوم والحكم لابن رجب الحنبلي رحمه الله، وستجد فيه بغيتك إن شاء الله.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني