الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

معيار الضرورة المبيحة للمحظور

السؤال

في الخارج يقوم رجال الأعمال بدعم مشاريع الشباب بالمال على أمل أن تكبر الشركات، وتعود عليهم بالمال، وهم يشترطون أن تتحول الشركة من خاصة إلى عمومية، أي: أن تدخل البورصة، وتبيع أسهمها، أو أن أصحاب الشركات أنفسهم يدخلون البورصة بمفردهم، وذلك لدعم شركاتهم ماديًّا.
وكنتم قد أفتيتم بأن البورصة بالشكل الذي عليه محرمة، وهذا يجعل المسلم في هذه البلدان أو في البلدان العربية التي ليس بها غير هذه المعاملات إنسانًا سلبيًّا، ولا يتشجع لبعث شركات، ويبقى متفرجًا، وينتظر من لا يهتم بالحلال حتى يبعث هذه الشركات التي تقدم خدمات إنسانية للبشر. أليست الضرورات تبيح المحظورات؟!
وشركات كثيرة في العالم قامت على هذه الطريقة من الدعم المادي، وتقدم خدمات كبيرة للبشرية، حتى أن الناس لا يتخيلون حياتهم بدونها، وكبرت هذه الشركات، وما زالت تطور خدماتها لنفع البشر (في مجالات مختلفة؛ كالعلاج، وتسهيل الحياة ...)، فلو كان أصحاب هذه الشركات مسلمين، احتمال كبير أنها ما كانت لتكون موجودة أصلًا. أليست الضرورات تبيح المحظورات؟!

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياك لكل خير، ويعصمنا وإياك من كل شر، وأن يرينا الحق حقًّا ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلًا ويرزقنا اجتنابه.

وأما ما سألت عنه فجوابه: أن الضرورات تبيح المحظورات، وأن المشقة تجلب التيسير؛ فإذا ضاق الأمر اتسع، والحرج منفي، لكن ما هي الضرورة التي يستباح لها المحظور لقوله تعالى: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ {الأنعام:119}.

يقول العلماء: الضرورة هي أن تطرأ على الإنسان حالة من الخطر أو المشقة الشديدة؛ بحيث يخاف حدوث ضرر، أو أذى بالنفس أو بالعضو -أي عضو من أعضاء النفس-، أو بالعرض، أو بالعقل، أو بالمال، وتوابعها، ويتعين أو يباح عندئذ ارتكاب الحرام، أو ترك الواجب، أو تأخيره عن وقته دفعًا للضرر عنه في غالب ظنّه ضمن قيود الشرع. انتهى من نظرية الضرورة الشرعية.

إذًا ليست كل حاجة تسمى ضرورة فيترخص لها ويتنازل عن النصوص المحكمة لأجلها، فليراع المرء ذلك، ولتكن خشيته لله أقوى من حظوظ النفس وداع الشيطان والهوى، ولنتأمل قوله تعالى: فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إن شاء. قال الطبري: (يقول للمؤمنين: وإن خفتم فاقَةً وفقرًا, بمنع المشركين من أن يقربوا المسجد الحرام فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء ... وإنما قيل ذلك لهم؛ لأن المؤمنين خافوا بانقطاع المشركين عن دخول الحرم، انقطاع تجاراتهم، ودخول ضرر عليهم بانقطاع ذلك. وأمَّنهم الله من العيلة، وعوَّضهم مما كانوا يكرهون انقطاعه عنهم).

ثم إن ما بيناه في الفتاوى ليس فيه تحريم التعامل في البورصات والأسواق العالمية على الإطلاق، بل فيها شر كثير يجب الحذر منه واجتنابه عند التعامل فيها، وما منع من المعاملات شرعًا سواء بين المسلمين أو بينهم وبين غيرهم إنما ذلك لسوء عاقبته، وما يترتب عليه من ضرر عاجل أو آجل للأفراد والمجتمعات.

وأسباب الكسب الحلال كثيرة، وتنمية الأموال، والتجارات، والاستثمارات المشروعة، كل ذلك موجود -بحمد لله- لمن ابتغاه وتحرّاه، ولم يكن همه جمع الدنيا من أي سبيل، ولا يبالي بما يجيب غدًا إن سئل عن ماله (من أين اكتسبته؟ وفيم أنفقته؟).

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني