الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم دفن الرجل امرأة وهو حديث عهد بجماع

السؤال

إذا دفن الرجل زوجته في نفس ليلة الجماع هل هو آثم ؟ وما الحكمة من عدم دفن الزوجة في ليلة الجماع؟.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلعل السائل يقصد السؤال عن حكم تولى الشخص دفن زوجته أو غيرها إذا كان قريب عهد بالجماع.

والجواب: أن ذلك جائز ولا إثم فيه، ولكن الأولى أن يتولاه غيره ممن لم يجامع تلك الليلة ـ إن وجد ـ لما جاء في صحيح البخاري عن أنس قال: شهدنا بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم تدفن ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس على القبر فرأيت عينيه تدمعان، فقال: هل فيكم من أحد لم يقارف الليلة؟ فقال أبو طلحة: أنا، قال: فانزل في قبرها فنزل في قبرها.

جاء في المحلى لابن حزم: قال أبو محمد: المقارفة الوطء، لا مقارفة الذنب، ومعاذ الله أن يتزكى أبو طلحة بحضرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأنه لم يقارف ذنبا، فصح أن من لم يطأ تلك الليلة أولى من الأب والزوج وغيرهما؟. اهـ

ويقول ابن عثيمين: المرأة يضعها في قبرها أي رجل من الرجال، سواء كان من محارمها أو من غير محارمها؛ لكن الأفضل من محارمها، إلا إذا علمنا أن أحداً من الناس لم يجامع تلك الليلة كرجل نعلم أنه ليس له زوجة، أو نعلم أنه قد تجاوز سن الشهوة، فقد قال العلماء رحمهم الله: إن من بَعُدَ عهده بالجماع أولى ممن قَرُب. اهـ

وقال أيضا: العلماء فيما أعلم لم يقل أحد منهم: إن المرأة يحرم أن يدخلها في قبرها من جامع تلك الليلة، لكنهم قالوا: من بعد عهده بالجماع فهو أولى، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال وهو يدفن إحدى بناته: (أيكم لم يقارف الليلة؟ فقال أبو طلحة: أنا فنزل) على أن العلماء مختلفون في قوله: (لم يقارف) هل معناه: لم يقارف إثماً، أي: لم يتفقوا على أن المراد به الجماع، فإذا نزل الإنسان إلى قبر امرأة وهو يعرف كيفية الدفن ولو كان قد جامع في تلك الليلة فلا بأس ولا حرج، لكن الأولى أن يكون الإنسان الذي ينزل في قبرها لم يجامع في تلك الليلة. اهـ

وذهب بعض أهل العلم أنه إنما يقدم في الدفن من بعد عهده عن الجماع عندما يتساوى الرجال الأجانب في الصفات التي تقدمهم، يقول ابن حجر الهيتمي: ـ تعليقا على الحديث السابق ـ وقد يشكل عليه تقديمه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أبا طلحة وهو أجنبي مفضول على عثمان مع أنه الزوج الأفضل والعذر الذي أشير إليه في الخبر على رأي وهو أنه كان وطئ سرية له تلك الليلة دون أبي طلحة ظاهر كلام أئمتنا أنهم لا يعتبرونه لكن يسهل ذلك أنها واقعة حال، ويحتمل أن عثمان لفرط الحزن والأسف لم يثق من نفسه بإحكام الدفن فأذن أو أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ رأى عليه آثار العجز عن ذلك فقدم أبا طلحة من غير إذنه وخصه لكونه لم يقارف تلك الليلة نعم يؤخذ من الخبر أن الأجانب المستوين في الصفات يقدم منهم من بعد عهده بالجماع لأنه أبعد عن مذكر يحصل له لو ماس المرأة وبعده المحارم الأقرب فالأقرب كالصلاة. اهـ

وعلى كل فلا إثم في تولى الدفن ممن جامع زوجته تلك الليلة كما بينا.

وأما عن الحكمة من تقديم من بعد عهده بالجماع، فقد جاء في الإفصاح عن معاني الصحاح ما نصه: وإنما أراد به أن لا يكون قريب عهد بجماع من حيث إنه يكون حديث عهد بتقليب امرأة في انبساط غير خاشع ولا متحازن، فينافي حاله حال امرأة ميتة لا سيما ابنة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مما يقتضي حمله لها أن يكون في حال اجتماع واحتشام وخشوع وإعظام، ولأن الجماع في الجملة يبسط النفس. اهـ

وقال الشوكاني: وعلل بعضهم تقدم من لم يقارف بأنه حينئذ يأمن من أن يذكره الشيطان بما كان منه تلك الليلة. اهـ

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني