الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

العمل بالشروط المتفق عليها في العقود هو الأصل

السؤال

يزعم بعض أصحابِ الأعمال أنهم غير مطالبين شرعًا بحقوق العمال الموجودة في قانون العمل، من حيث رصيد الإجازات، والالتزام بساعات العمل المحددة، أو قواعد الأذون والتأخيرات، أو الإجازات الرسمية، أو مواعيد العمل، أو تقليل ساعات العمل في رمضان، وكذلك القيام بخصومات من الراتب دون وجه حق؛ كالقيام بخصم يوم كامل نتيجة جمع التأخيرات التي تصل لنصف ساعة !! .. إلى آخره من باقي الحقوق، بزعم أنَّ الشرع لم ينص على هذا، وأن هذا قانون وضعي لا علاقة لنا به!
أليس هذا من المصالح المرسلة المتروكة لولي الأمر، أو من يقوم مقامه من قاضٍ أو تشريعٍ لإصدار ما يحقق المصلحة حسب الزمان والمكان، طالما لم يصدر نصٌ بتحريم هذا الأمر؟
لقد قلتُ لأحدهم: الشرع لم ينص على قانون ينظم تداول الأدوية المدعومة، فهل هذا يعني أن بيع الأدوية المدعومة من وزارة الصحة أو التأمين الصحي والمتاجرة فيها حلال؟!
إننا بلاشك مطالبون شرعا بالالتزام بقانون الصحة، وقانون المرور، وكل قانون يصدر لتنظيم مصالح العباد والبلاد، مما لم يصدر بشأنه نص شرعي، وتركه الشارع الكريم لولي الأمر، أو من قام مقامه لينظمه.
كما أنني قلت إن صاحب الشركة عند القيام بتأسيس الشركة يُوقع على احترامه والتزامه بكافة القوانين المنظمة لعمل شركته، ومنها قانون العمل والتأمين الإجتماعي .. إلخ، والمؤمنون عند شروطهم.
أرجو الإجابة بإجابة شافية كافية.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فبداية ننبه على الفرق بين مخالفة العقد الذي تراضى عليه طرفاه لقانون العمل، وبين مخالفة الشخص لقوانين المرور ونحوها. فالأول له أصل محكم في الشرع، وهو الوفاء بالعقود، والوقوف عند الشروط المشروعة. وأصل آخر وهو أن مال المرء لا يحل إلا بطيب نفس منه.

وبالتالي، فإذا تعاقد طرفان -مثلا- على إجارة شرعية بشروط معينة، تراضيا عليها اختيارا، فإن التمسك بهذه الشروط هو الذي يدل عليه الأصلان السابقان، حتى ولو خالفت هذه الشروط عرفا مستقرا، وعادة مطردة؛ لأن العقد والاتفاق الخاص أقوى من العرف المطرد، ومثله القانون العام. فأين هذا من مخالفة قوانين المرور ونحوها مما لا يتناوله عقد خاص، ولا يخضع لتقديرات الأفراد؟! بل هو مصلحة عامة لا يُتصور حصولها إلا بجريانها على الجميع دون مراعاة لاختيار الأفراد وإرادتهم. فهل نسوِّي بين ذلك، وبين حكم المرء في خاصة ماله، ومراعاته لمصالحه الشخصية، دون أن يجبر أحدا على قبول ذلك. وانظر للفائدة الفتوى: 369841.

وخذ مثالا على ذلك: مسألة التسعير، فبرغم من وجود مصالح ظاهرة لوضعه في بعض الأحيان، وإلزام ولي الأمر به، إلا أن جمهور الفقهاء على منعه؛ عملا بالأصل، وعملا بما ورد من أدلة السنة، وراجع في ذلك الفتوى: 26530.

وإذا اتضح ذلك فلا غرابة إذا قلنا: إن الأصل هو العمل بالشروط المتفق عليها التي حصل عليها التراضي في العقد الخاص، ولو خالفت العرف العام؛ لأن الطرف المتضرر من أحد هذه الشروط بإمكانه أن يرفض، أو لا يدخل في هذا العقد أصلا. ومع ذلك ففي الأحوال التي يظهر من تقنين ولي الأمر لها مصالح عامة لا تتأتى إلا بها؛ فحينئذ يكون العمل بالقاعدة الفقهية التي تقول: تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة.

وجاء في الموسوعة الفقهية: قد يكون الإجبار ـ الإكراه ـ حقا لولي الأمر بتخويل من الشارع، دفعا لظلم أو تحقيقا لمصلحة عامة. اهـ. وراجع في ذلك الفتويين: 126169، 137746.

ومرجع النظر في الأحوال الخاصة يكون للراسخين في العلم وأهل الاختصاص، كل مسألة على حدة.

وأخيرا ننبه على أن النظر القانوني دائما أو غالبا ما ينحاز إلى الطرف الأضعف في العقد، وهو العامل، على حساب صاحب العمل، وهذا وإن كان وجهه مفهوما؛ إلا أن تعميمه وإطلاق الحكم به لا يخلو من نظر، وقد يترتب عليها أنواع من المظالم أو المفاسد في بعض الأحيان.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني