الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم رسم نباتات ومناظر وكواكب خيالية

السؤال

ما حكم رسم نباتات وأماكن ومناظر وكواكب خيالية من تأليفي؟ هل فيه مضاهاة لله؛ لأني أرسم أشياء لا وجود لها؟ وأشكركم على وقتكم وجهودكم، ويجزيكم الله خيراً.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن رسم ما لا روح له كالشجر وغيره ليس بمحرم عند عامة العلماء، ويدل على ذلك ما أخرجه البخاري ومسلم عن سعيد بن أبي الحسن، قال: كنت عند ابن عباس -رضي الله عنهما، إذ أتاه رجل فقال: يا أبا عباس، إني إنسان إنما معيشتي من صنعة يدي، وإني أصنع هذه التصاوير، فقال ابن عباس: لا أحدثك إلا ما سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: سمعته يقول: من صور صورة، فإن الله معذبه حتى ينفخ فيها الروح، وليس بنافخ فيها أبدا. فربا الرجل ربوة شديدة، واصفر وجهه، فقال: ويحك، إن أبيت إلا أن تصنع، فعليك بهذا الشجر، كل شيء ليس فيه روح.

وكون المرسوم خياليا لا وجود له، فليس له تأثير في حكم المسألة، فما دام الرسم لغير ذي روح فليس بمحرم، وليس فيه مضاهاة لخلق الله.

جاء في شرح صحيح مسلم للنووي: وأما الشجر ونحوه مما لا روح فيه فلا تحرم صنعته، ولا التكسب به، وسواء الشجر المثمر وغيره. وهذا مذهب العلماء كافة إلا مجاهدا، فإنه جعل الشجر المثمر من المكروه. قال القاضي: لم يقله أحد غير مجاهد، واحتج مجاهد بقوله تعالى: (ومن أظلم ممن ذهب يخلق خلقا كخلقي)، واحتج الجمهور بقوله -صلى الله عليه وسلم-: (ويقال لهم أحيوا ما خلقتم) أي اجعلوه حيوانا ذا روح كما ضاهيتم، وعليه رواية: ومن أظلم ممن ذهب يخلق خلقا كخلقي. ويؤيده حديث ابن عباس .اهـ.

وفي الموسوعة الفقهية الكويتية: جمهور الفقهاء على أنه لا بأس شرعا بتصوير الأعشاب والأشجار والثمار وسائر المخلوقات النباتية، وسواء أكانت مثمرة أم لا، وأن ذلك لا يدخل فيما نهي عنه من التصاوير.
ولم ينقل في ذلك خلاف، إلا ما روي عن مجاهد أنه رأى تحريم تصوير الشجر المثمر دون الشجر غير المثمر. قال ابن حجر: وأظن مجاهدا سمع حديث أبي هريرة، ففيه: فليخلقوا ذرة، وليخلقوا شعيرة فإن في ذكر الذرة إشارة إلى ما فيه روح، وفي ذكر الشعيرة إشارة إلى ما ينبت مما يؤكل، وأما ما لا روح فيه ولا يثمر فلم تقع الإشارة إليه.

وكراهة تصوير النباتات والأشجار وجه في مذهب أحمد، والمذهب على خلافه. وقد احتج الجمهور بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من صور صورة في الدنيا كلف أن ينفخ فيها الروح، وليس بنافخ فخص النهي بذوات الأرواح وليس الشجر منها، وبحديث ابن عباس رضي الله عنهما.

قال الطحاوي: ولأن صورة الحيوان لما أبيحت بعد قطع رأسها - لأنها لا تعيش بدونه - دل ذلك على إباحة تصوير ما لا روح فيه أصلا.

بل إن في بعض روايات حديث عائشة رضي الله عنها أن جبريل عليه السلام قال للنبي صلى الله عليه وسلم مر برأس التمثال فليقطع حتى يكون كهيئة الشجرة، فهذا تنبيه على أن الشجرة في الأصل لا يتعلق النهي بتصويرها. هذا ما يذكره الفقهاء في الاستدلال على أنه لا يحرم تصوير الشجر والنبات وما لا روح فيه. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني