الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الشكوى للناس ليس سبيلا لدفع العين والحسد

السؤال

ما حكم سرد مشاكلي أمام الناس؛ ليس للضجر، ولكن بنية دفع العين والحسد؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالعين والحسد إنما يُدفعان بالأسباب المشروعة، وقد ذكر ابن القيم عشرة أسباب لدفع العين والحسد.

فمنها: التعوذ بالله تعالى من شره، واللجوء والتحصن به، واللجوء إليه.

ومنها: تقوى الله، وحفظه عند أمره ونهيه؛ فمن اتقى الله، تولى الله حفظه، ولم يكله إلى غيره، قال تعالى: وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا {آل عمران:120}، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لعبد الله بن عباس: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك.

ومنها: الصبر على عدوه، وأن لا يقاتله، ولا يشكوه، ولا يحدث نفسه بأذاه أصلا، فما نصر على حاسده وعدوه بمثل الصبر عليه والتوكل على الله.

ومنها: التوكل على الله، فإنه من يتوكل على الله فهو حسبه.

ومنها: فراغ القلب من الاشتغال به، والفكر فيه، وأن يقصد أن يمحوه من باله كلما خطر له، فلا يلتفت إليه، ولا يخافه، ولا يملأ قلبه بالفكر فيه. وهذا من أنفع الأدوية، وأقوى الأسباب المعينة على اندفاع شره.

ومنها: الإقبال على الله، والإخلاص له، وجعل محبته وترضيه والإنابة إليه في محل خواطر نفسه وأمانيها تدب فيها دبيب الخواطر شيئا فشيئا، حتى يقهرها، ويغمرها، ويذهبها بالكلية.

ومنها: تجريد التوبة إلى الله من الذنوب التي سلطت عليه أعداءه، فإن الله تعالى يقول: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ {الشورى:30}.

ومنها: الصدقة والإحسان ما أمكنه؛ فإن لذلك تأثيرا عجيبا في دفع البلاء، ودفع العين، وشر الحاسد، ولو لم يكن في هذا إلا تجارب الأمم قديما وحديثا لكفى به، فما يكاد العين والحسد والأذى يتسلط على محسن متصدق.

فالشكر حارس النعمة من كل ما يكون سببا لزوالها، ومن أقوى الأسباب حسد الحاسد، والعائن؛ فإنه لا يفتر، ولا يني، ولا يبرد قلبه حتى تزول النعمة عن المحسود، فحينئذ يبرد أنينه، وتنطفيء ناره، لا أطفأها الله. فما حرس العبد نعمة الله تعالى عليه بمثل شكرها، ولا عرضها للزوال بمثل العمل فيها بمعاصي الله، وهو كفران النعمة، وهو باب إلى كفران المنعم.

ومنها: إطفاء نار الحاسد والباغي والمؤذي بالإحسان إليه، فكلما ازداد أذى وشرا وبغيا وحسدا؛ ازددت إليه إحسانا وله نصيحة وعليه شفقة.

ومنها: وهو الجامع لها كما يقول ابن القيم؛ تجريد التوحيد لله تعالى.

هذا حاصل ما ذكره الإمام ابن القيم في أسباب دفع الحسد في كتابه بدائع الفوائد، وفي كلامه تفصيل وطول لا يحسن إيراده برمته في هذا الموضع.

وإذا تدبرت ما نقلناه بان لك أن من أسباب دفع الحسد -كما ذكر الإمام- عدم شكوى الحاسد، وفراغ القلب منه، وعدم الفكرة فيه، وهو ما ينافي سرد المشاكل أمام الناس اتقاء الحسد، ومن ثم فلا يدفع الحسد والعين بالشكوى للناس، وإظهار الضجر أمامهم، بل المسلم يحمد الله على كل حال، ولا يشكو الله لخلقه، وإنما يشكو همومه ومشاكله لله تعالى، كما قال يعقوب عليه السلام: إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ {يوسف:86}.

ولا يشكو الإنسان حاله، ومشاكله للناس إلا لمصلحة من طلب نصيحة، أو مساعدة، أو نحو ذلك، وتنظر للفائدة الفتوى: 273613.

وأما دفع العين بمثل هذا، فلا نراه طريقا مشروعا لذلك.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني