الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وسائل إقناع الأب بأن المتقدم لابنته لا يصلح لها

السؤال

لدي صديق ابن عمي في سني، عشت معه طفولتي، وكبرنا معا. وفي يوم من الأيام كنا نتحدث عن العلاقة الزوجية وفق الأحكام الشرعية،
وذكر هو أنه يحب المجامعة في الدبر، وأنه يستمتع بها، فأنكرت عليه، ومعي بعض الأصدقاء أن هذا حرام، لكنه أصر على رأيه بهذا الفعل، وأنه يحبه. وقد حصلت مشكلة بينه وبين وزوجته السابقة، فخلعته بدون أن تذكر السبب للقاضي.
المهم هو الآن تقدم لأختي، يريد الزواج بها، وأنا أرفض هذا بشدة، وأبي وافق، وأختي وافقت، ولكن حلفت ألا يتم هذا الزواج، ولو أدى إلى ما لا تحمد عقباه من السفر بأختي لبلد ثان لسنوات عدة؛ لتكمل دراستها، ولتتزوج رجلا صالحا متدينا، ولو أن أخدعها بالسفر لمدة يوم أو يومين، لكن لن ترجع، فقد تعبت في تربيتها، ونصحها، والخوف عليها، فهي أختي الوحيدة.
وكذلك لا أستطيع أن أخبرهم عن سبب رفضي، وأمي وأبي كل يوم يسألون عن رفضي، ولا أستطيع إخبارهم. أصمت فقط، وأذهب، وأتركهم في حزن.
والعجب -سبحان الله- أني ذهبت لطليقته السابقة، والتقيت معها في مطعم، وتعشيت معها، واستحلفتها بالله إلا أخبرتني عن سبب خلعها له، فرأيت الخجل في عينيها، فبادرتها قائلا كان يجامعك من الدبر صحيح؟
فصُدمت، وبدأت تسبه وتلعنه؛ ظنا منها أنه حكى لي ما حصل. فقلت لها القصة أننا مرة كنا نتحدث، وهو أخبرنا أنه يستمتع بالدبر.
أنا رافض هذا الزواج بالكلية. أختي تستحق رجلا حقيقيا، وليس صبيا أحمق.
فما الحل في إقناع والدي برفضي وبشدة؟ وهل يجوز اختلاق كذبة عليه ثانية؟ فأنا لا أستطيع أن أتحمل كون أختي في حضن فاجر، يفعل المعصية، ويصر عليها، وظاهره ليس الصلاح.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فيحرم شرعا أن يأتي الرجل زوجته في دبرها، وصاحب هذا الفعل ملعون على لسان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهو فعل له مفاسد عظيمة، سبق بيان بعضها في نقل عن ابن القيم تجده في الفتوى: 22682.

وإن كان ابن عمك قد أخبرك بهذا الفعل، وأفشاه لكم، فقد أساء إساءة عظيمة، فمن ابتلي ببعض المعاصي، فيجب عليه أن يتوب إلى الله، ويستتر بستره -سبحانه- ويحرم عليه إفشاء ذلك، فقد ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا، ثم يصبح وقد ستره الله عليه، فيقول: يا فلان، عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه.

وإذا كان ابن عمك لم يتب من هذا الفعل، فمثله لا يقبل زوجا لأختك؛ فقد روى الترمذي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض، وفساد عريض. فلا يقبل زوجا إلا من كان تقيا؛ إن أحب المرأة أكرمها، وإن أبغضها لم يظلمها.

وينبغي أن تحاول في استمرار إقناع والديك، ولا يجوز لك أن تكذب عليهما، ولكن اكتف بالتلميح، والقول بأن ابن عمك لا يصلح لأختك بما تعلم من حاله، وأنه لو تزوجها ربما كان مصيرها معه مصير الزواج السابق، فإن اقتنعا فالحمد لله، وإلا فلا بأس بالتصريح، وليكن ذلك لأبيك، ويمكنه أن يخبر أمك إن اقتضى الأمر ذلك. ولا تنس أن تكثر من الدعاء أن ييسر الله كل خير، ويبعد كل شر.

وأما الهرب بأختك، وتزويجها من رجل آخر، فلا يجوز لك ذلك؛ فأبوك هو وليها، وهو المسؤول عنها أمام الله تعالى، والمسؤول عن أمر تزويجها، ولكن اجتهد في سبيل تزويج أختك من رجل صالح يرجى أن تدوم معه عشرتها.

وننبهك إلى خطأ ما أقدمت عليه من الجلوس مع طليقة هذا الرجل، والحديث معها، وسؤالها عن سبب طلاقها من زوجها، وكلامك معها عن أمر يتعلق بالفراش، وأسرار الحياة الزوجية، وهذا مما لا يجوز شرعا.

روى مسلم عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة، الرجل يفضي إلى امرأته، وتفضي إليه، ثم ينشر سرها. ومعنى الإفضاء المباشرة والمجامعة.

قال المناوي في فيض القدير: والظاهر أن المرأة كالرجل، فيحرم عليها إفشاء سره؛ كأن تقول: هو سريع الإنزال، أو كبير الآلة، أو غير ذلك مما يتعلق بالمجامعة. اهـ.

فالواجب عليك التوبة، ولمعرفة شروطها راجع الفتوى: 5450.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني