الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم نقل الأشياء المحرمة وأخذ الأجرة عليها

السؤال

ما حكم نقل اللحوم (الذبائح) التي ذبحت بغير ذكر اسم الله عليها، من مدينة إلى قرية، على أجرة النقل؟
وأيضا إن كان الناقل ينقل السلع الجائزة، وكان معها شيء من اللحوم المحرمة التي هي في الأصل حلال، لكن ذبحت بطريقة غير شرعية كذبح غير المسلمين، وأخذ على نقله أجرة. هل هذه الأجرة حلال؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن اللحوم المذبوحة بطريقة غير شرعية كالصعق ونحو ذلك، هي ميتة، محرمة شرعا بلا إشكال.

وأما اشتراط ذكر اسم الله لحل الذبيحة، فهو محل خلاف بين العلماء -لا سيما إن كان الذابح كتابيا- كما ذكرناه لك في جواب سؤال لك سابق، في الفتوى: 406981. فالأمر فيها أيسر لمكان الخلاف بين العلماء في المسألة.

وبعد هذا: فإن نقل البضائع المحرمة شرعا لا لغرض التخلص منها لا يجوز؛ لما في ذلك من الإعانة على معصية الله، وهذا عند جمهور العلماء. خلافا للحنفية الذين لا يرون التحريم.

جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: ذهب الجمهور إلى أن كل ما يقصد به الحرام، وكل تصرف يفضي إلى معصية فهو محرم، فيمتنع بيع كل شيء علم أن المشتري قصد به أمرا لا يجوز ...

وذهب أبو حنيفة إلى أنه: لا يكره بيع ما لم تقم المعصية به، كبيع الكبش النطوح، والحمامة الطيارة، والخشب ممن يتخذ منه المعازف. بخلاف بيع السلاح من أهل الفتنة؛ لأن المعصية تقوم بعينه، وهي الإعانة على الإثم والعدوان، وإنه منهي عنه. بخلاف بيع ما يتخذ منه السلاح كالحديد؛ لأنه ليس معدا للقتال، فلا يتحقق معنى الإعانة.

وذهب الصاحبان من الحنفية، إلى أنه لا ينبغي للمسلم أن يفعل ذلك؛ لأنه إعانة على المعصية، فهو مكروه عندهما، خلافا للإمام.

وبحث الحنفية نظير هذه المسألة في الإجارة، كما لو آجر شخص نفسه ليعمل في بناء كنيسة، أو ليحمل خمر الذمي بنفسه أو على دابته، أو ليرعى له الخنازير، أو آجر بيتا ليتخذ بيت نار، أو كنيسة أو بيعة، أو يباع فيه الخمر، جاز له ذلك عند أبي حنيفة؛ لأنه لا معصية في عين العمل، وإنما المعصية بفعل المستأجر، وهو فعل فاعل مختار كشربه الخمر وبيعها، ففي هذا يقول المرغيناني: إن الإجارة ترد على منفعة البيت (ونحوه) ولهذا تجب الأجرة بمجرد التسليم، ولا معصية فيه، وإنما المعصية بفعل المستأجر، وهو مختار فيه، فقطع نسبته عنه.

ويرى الصاحبان كراهة ذلك؛ لما فيه من الإعانة على المعصية.
وطرح بعض الحنفية هذا الضابط: وهو أن ما قامت المعصية بعينه، يكره بيعه تحريما (كبيع السلاح من أهل الفتنة) وما لم تقم بعينه يكره تنزيها. اهـ. وراجع الفتوى: 153419.

وأما أجرة نقل المحرم: فيباح الانتفاع بها عند جمهور العلماء، بناء على صحة العقد على ما فيه إعانة على المحرم.

جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: حكم بيع ما يقصد به فعل محرم، من حيث الصحة والبطلان:
- ذهب الجمهور (الحنفية والمالكية والشافعية) وهو أيضا احتمال عند الحنابلة إلى: أن البيع صحيح؛ لأنه لم يفقد ركنا ولا شرطا.

غير أن المالكية نصوا مع ذلك، في مسألة بيع السلاح، على إجبار المشتري على إخراجه عن ملكه، ببيع أو هبة أو نحوهما، من غير فسخ للبيع.

يقول الدسوقي: يمنع أن يباع للحربيين آلة الحرب، من سلاح أو كراع أو سرج، وكل ما يتقوون به في الحرب، من نحاس أو خباء أو ماعون، ويجبرون على إخراج ذلك.

كما نص القليوبي من الشافعية، على أن من باع أمة لمن يكرهها على الزنى، ودابة لمن يحملها فوق طاقتها، فللحاكم أن يبيع هذين على مالكهما قهرا عليه.

ومذهب الحنابلة أن هذا البيع باطل؛ لأنه عقد على عين لمعصية الله تعالى بها، فلم يصح. اهـ.

وقيل: بل هي محرمة، بناء على بطلان العقد، ولأن الفعل المحرم عوضه لا يحل، كما جاء في الحديث: إن الله إذا حرم شيئا؛ حرم ثمنه. أخرجه أحمد، وصححه ابن حبان. وهذا ما أفتينا به في أكثر الفتاوى، كالفتاوى : 99709 - 123623 - 38615.

وأما إذا استؤجر على نقل ما يباح وما يحرم في صفقة واحدة: فعلى القول الأول بإباحة أجرة نقل المحرم، فلا إشكال في إباحة الأجرة هنا.

وأما على القول بحرمة الأجرة: فإن العقد يصح في نقل المباح -فتباح أجرته بقسطها من أجرة الصفقة-، بناء على القول بتفريق الصفقة، وأما المحرم فإن العقد لا يصح فيه، وقسطه من أجرة الصفقة محرمة.

قال ابن قدامة في المغني: فصل في تفريق الصفقة. ومعناه أن يبيع ما يجوز بيعه، وما لا يجوز، صفقة واحدة، بثمن واحد. وهو على ثلاثة أقسام:

القسم الثالث: أن يكون المبيعان معلومين، مما لا ينقسم عليهما الثمن بالأجزاء كعبد وحر، وخل وخمر، [وعبده] وعبد غيره، وعبد حاضر وآبق، فهذا يبطل البيع فيما لا يصح بيعه.

وفي الآخر روايتان، نقل صالح عن أبيه في من اشترى عبدين، فوجد أحدهما حرا رجع بقيمتهمن الثمن، ونقل عنه مهنا في من تزوج امرأة على عبدين فوجد أحدهما حرا، فلها قيمة العبدين، فأبطل الصداق فيهما جميعا، وللشافعي قولان كالروايتين.

والحكم في الرهن والهبة وسائر العقود إذا جمعت ما يجوز وما لا يجوز كالحكم في البيع، إلا أن الظاهر فيها الصحة؛ لأنها ليست عقود معاوضة، فلا توجد جهالة العوض فيها. اهـ. باختصار.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني