الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أحكام الخسارة في المضاربة

السؤال

بارك الله فيكم، نرجو الإجابة والحكم الشرعي في هذه المشكلة، وهي:
اتفق محمد وأحمد شفويا على الدخول في مشروع زراعة فلفل ألوان معا، على أن تكون نسبة الأرباح مقسمة مناصفة. وستكون التكلفة المبدئية للمشروع 350 ألف جنيه.
يدفع محمد رأس المال، ويقوم أحمد بالزراعة، ويأخذ أحمد 1500 جنيه كمبلغ ثابت شهريا؛ ليصرف منه على طعامه وشرابه "مع العلم أن تكلفة طعامه وشرابه كانت أكثر من ذلك" وكان أحمد يمتلك سيارة يقدر ثمنها ب 60 ألف جنيه، فدفع محمد 30 ألف جنيه نصف ثمنها؛ ليتابع أحمد المشروع بها.
وليتابع أحمد المشروع سافر إلى محافظة أخرى، وأخذ زوجته وأولاده معه لمدة سنة، مع العلم أن أحمد ليست له خبرة في الزراعة، وله خبرة في التجارة.
وليتابع مشروع الزراعة أهمل تجارته، وخسر في تجارته أثناء فترة غيابه عن تجارته. ثم طلب أحمد زيادة رأس المال لزيادة المصاريف الزراعية حتى وصل رأس المال المدفوع من محمد إلى 520 ألف جنيه.
ونتيجة لزيادة المصاريف الزراعية عن ما خطط له أحمد، اضطر إلى أن يأخذ دينا بمقدار 46 ألف جنيه، من أحد أقاربه. وأخذ من محمد 20 ألف جنيه على سبيل الدين. وتمت خسارة جميع رأس المال، ولم يبق إلا السيارة، وبقي الدين على المشروع المقدر ب 46 ألف جنيه لأحد أقارب أحمد، و20 ألف جنيه كدين لمحمد. واكتسب أحمد خبرة جيدة في الأعمال الزراعية، وتربية الحيوانات وإدارتها نتيجة لتجاربه في هذا المشروع، مع العلم أن الطرفين لم يتفقا من البداية على أن يكون هذا الأمر على سبيل المضاربة، ولم يعلم محمد بأحكام المضاربة من البداية.
ومع العلم أيضا أن الطرفين متفقان أن أحمد لم يقصر في المجهود، وبذل ما في وسعه، لكن نتيجة لعدم خبرته بالزراعة تمت الخسارة.
ومع العلم أن المشروع استمر لمدة 18 شهرا، ومع العلم أن الطرفين لم يتفقا على نسبة الخسارة بينهما.
السؤال: كيف يتم اقتسام الخسارة؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالظاهر لنا أنّ الاتفاق المذكور عقد مضاربة، تكون الخسارة فيه على ربّ المال وحده، ولا يضمن العامل شيئاً من الخسارة إذا لم يكن منه تعدٍ أو تفريط.

قال ابن قدامة -رحمه الله- في المغني: والوضيعة في المضاربة على المال خاصة، ليس على العامل منها شيء; لأن الوضيعة عبارة عن نقصان رأس المال، وهو مختص بملك ربه، لا شيء للعامل فيه، فيكون نقصه من ماله دون غيره. انتهى.
وجاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي رقم 122: المضارب أمين، ولا يضمن ما يقع من خسارة، أو تلف إلا بالتعدي، أو التقصير، بما يشمل مخالفة الشروط الشرعية، أو قيود الاستثمار المحددة التي تم الدخول على أساسها، ويستوي في هذا الحكم المضاربة الفردية، والمشتركة. اهـ.

وقال ابن قدامة -رحمه الله- في المغني: وحكم كل عقد فاسد في وجوب الضمان، حكم صحيحه، فما وجب الضمان في صحيحه وجب في فاسده، وما لم يجب في صحيحه لم يجب في فاسده. انتهى.
لكن إذا كان العامل قد أوهم صاحب المال أنّ له خبرة في الزراعة والواقع أنّه لا خبرة له بها؛ ففي هذه الحال يضمن العامل الخسارة.

يقول الدكتور علي محي الدين القره داغي: ومن هنا إذا ادعى المضارب أن له خبرة في مجال التجارة؛ فدفع له رب المال مال المضاربة، أو ادعى الشريك ذلك، فترك له الآخر حق الإِدارة والتجارة، ثم تبين أنه على خلاف ذلك فإنه يضمن، لأن ذلك داخل في الغش. انتهى.
وما أخذه العامل من الأجر في كل شهر؛ إن كان أجرة مثله في هذا العمل؛ فهو له، وإلا فليس له إلا أجرة مثله.

جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية عند الكلام على آثار المضاربة الفاسدة:
ب- أن المضارب له أجر مثله -خسر المال أو ربح- لأن عمله إنما كان في مقابلة المسمى، فإذا لم تصح التسمية وجب رد عمله عليه، وذلك متعذر، فوجب له أجرة المثل. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني